ليحصن المقاتلة من الأعداء ، وأرشده إلى صنعها وكيفيتها ، فقال : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) أى لا يجعل المسامير دقاقا فتفلق ، ولا غلاظا فتكسر الحلق.
وكان سبب ذلك ما روى فى الأخبار : (١)
«أن داود ـ عليهالسلام ـ لما ملك بنى إسرائيل ، كان من عادته أن يخرج إلى الناس متنكرا ، فإذا رأى رجلا لا يعرفه ، تقدم إليه فيسأله عن داود ، فيقول له : ما تقول فى داود واليكم؟ فيثنى عليه ، ويقول خيرا ، فبينما هو كذلك يوما من الأيام إذ قيض الله له ملكا فى صورة الآدميين ، فلما رآه تقدم داود على عادته فسأله ، فقال له الملك : نعم الرجل هو .. لولا خصلة فيه. فراع داود ، فقال : ما هى يا عبد الله؟ فقال : إن داوود يأكل ويطعم عياله من بيت المال ، فتنبّه لذلك ، وسأل الله تعالى ، أن يسبب له سببا يستغنى به عن بيت المال ، فينفق ويطعم عياله ، فألان الله له الحديد ، فصار فى يده مثل الشمع والعجين ، والطين المبلول.
قال الحسن البصرى : كان يصرفه بيده كيف يشاء من غير إدخال نار ، ولا ضرب بحديد ، أى دون حاجة إلى تسخين ولا مطرقة.
وقال الحق سبحانه : (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) [الأنبياء : ٨٠]
أى وعلمه الله ـ تعالى ـ صنعة الدروع ، فكان يتخذ الدروع ، وهو أول من عملها من زرد ، وكانت قبل ذلك صفائح ، فيقال : إنه كان يبيع كل درع منها بأربع آلاف درهم ، فيأكل ويطعم عياله ، ويتصدق على الفقراء والمساكين.
__________________
(١) ابن كثير : قصص الانبياء ٤٨٩.