وهو اعتراف
صريح من البطلة ، التى أعيتها الحيل عن طريق التزين حينا ، والتودد إليه بمعسول
القول حينا آخر ، والإرهاب والتخويف حينا ثالثة ، فلم تفلح .. (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ
لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) [يوسف : ٣٢]
ولننظر
ماذا كان جواب العفيف يوسف عليهالسلام :
(قالَ : رَبِّ
السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ .. وَإِلَّا تَصْرِفْ
عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ. فَاسْتَجابَ
لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [يوسف : ٣٣ ، ٣٤] وقصده ـ عليهالسلام ـ بقوله : (وَإِلَّا تَصْرِفْ
عَنِّي كَيْدَهُنَ) تبرؤ من الحول والطول ، وأن الحول والقوة إنما هما من
الله ، وسؤال منه لربه ، واستعانة به على أن يصرف عنه كيدهن ، وهكذا شأن الأنبياء.
قال فى البحر :
نسب بعضهم ليوسف مالا يجوز نسبته لآحاد الفساق ، والذى أختاره : أن يوسف ـ عليهالسلام ـ لم يقع منع همّ البتّة ، بل هو منفى لوجود رؤية
البرهان ، كما تقول : «قارفت الذنب لو لا أن عصمك الله» وقول العرب : «أنت ظالم إن
فعلت» وتقديره : «إن فعلت فأنت ظالم» وكذلك هنا التقدير : لو لا أن رأى برهان ربه
لهمّ بها ، ولكنه وجد رؤية البرهان ، فانتفى الهمّ. وأما أقوال السلف ، فنعتقد أنه
لا يصح عن أحد منهم شىء من ذلك ، لأنها أقوال متكاذبة ، يناقض بعضها بعضا ، مع
كونها قادحة فى بعض فساق الملل ، فضلا عن المقطوع لهم بالعصمة.
وقال
أبو السعود : إن همّه بها بمعنى ميله إليها بمقتضى الطبيعة البشرية ميلا جبليا ، لا أنه
قصدها قصدا اختياريا ، ألا يرى إلى ما سبق من استعصامه المنبىء عن كمال كراهيته له
، ونفرته عنه ، وحكمه بعدم إفلاح الظالمين ، وهل هو
__________________