قوله تعالى : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ؛) أي استمسك بالقرآن ، (إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ؛) أي القرآن شرف لك ولهم ، (وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) (٤٤) ؛ عن شكر هذه النّعمة ، يعني ما أعطاه الله من الحكمة وقومه المؤمنين من الهدى بالقرآن إلى إدراك الحقّ ، وقال مجاهد : (القوم هاهنا العرب ، والقرآن لهم شرف إذ نزل بلغتهم) (١).
قوله تعالى : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) (٤٥) ؛ وذلك أنه لمّا أسري بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم بعث الله آدم وجميع المرسلين وأذن جبريل ثم أقام ، وقال : يا محمّد تقدّم فصلّ بهم ، فلمّا فرغ من الصّلاة قال جبريل : سل يا محمّد من أرسلنا من قبلك ، هل أرسلنا عليهم جواز عبادة غير الله؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : [لا أسأل قد اكتفيت](٢).
وقيل : معناه : اسأل أمم من أرسلنا قبلك ، يعني مؤمني أهل الكتاب سلهم هل جاءتهم الرّسل إلّا بالتوحيد ، فلم يشكّ ولم يسأل ، (ومعنى الأمر بالسّؤال لتقرير مشركي قريش أنه لم يأت رسول ولا كتاب بعبادة غير الله تعالى) (٣).
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ) (٤٧) ؛ أي يهزأون ويضحكون منها جهلا وغفلة.
وقوله تعالى : (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها ؛) يعني ما نرادف عليهم من الطّوفان والجراد والقمّل والضفادع والدّم والطّمس ، وكانت كلّ آية من هذه الآيات أكبر من التي قبلها ، وهي العذاب المذكور في قوله تعالى : (وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٤٨) ؛ لأنّهم عذّبوا بهذه الآيات.
__________________
(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ١١٦٩.
(٢) في معالم التنزيل : ص ١١٦٩ ؛ قال البغوي : (قال عطاء عن ابن عباس) وذكره ، ثم قال : (وهذا قول الزهري وسعيد بن جبير وابن زيد). وأخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٣٨٨٨) عن ابن زيد. ونقله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ج ٤ ص ٣١٥.
(٣) نقله البغوي العبارة ولم يعزها إلى الطبراني ، ينظر : معالم التنزيل : ص ١١٦٩.