قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً ؛) أي من يعرض عن ذكر الرّحمن نسبب له شيطانا يضلّه ، يجعل ذلك جزاؤه ، (فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (٣٦) ؛ لا يفارقه في الدّنيا والآخرة ، يقال : عشي إلى النار باللّيل إذا تنوّرها فقصدها ، وعشي عنها إذا أعرض عنها قاصدا لغيرها ، ونظير هذا مال إليه ومال عنه ، قال الشاعر (١) :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره |
|
تجد خير نار عندها خير موقد |
ومن قرأ (يعش) بفتح الشين وهو من عشى يعشى إذا لم يبصر بالليل ، والمعنى : ومن يعم عن ذكر الرّحمن.
قال الزجّاج : (معنى الآية : ومن يعرض عن القرآن وما فيه من الحكمة إلى أباطيل المضلّين ، نعاقبه بشيطان نقيّضه له حتّى يضلّه ويلازمه قرينا له فلا يهتدي ، مجازاة له حين آثر الباطل على الحقّ المبين) (٢).
وقوله تعالى : (فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) أي صاحب يزيّن له العمى ، ويخيّل إليه أنّه على الهدى وهو على الضّلالة ، وذلك قوله تعالى : (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ؛) معناه : وإنّ الشياطين ليمنعونهم عن سبيل الهدى ، (وَيَحْسَبُونَ ؛) الكفار ، (أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) (٣٧).
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَنا ؛) يعني الكافر إذا جاء يوم القيامة (قالَ) ، لقرينه وهو الشيطان الذي يجعل معه في سلسلة واحدة : (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ ؛) المشرق والمغرب إذ كنّا في الدّنيا فلم أرك ولم ترني ، (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) (٣٨) ؛ كنت لي.
وإنما سمّي المشرق والمغرب باسم الواحد للازدواج ، كما يقال للشّمس والقمر : القمران ، وفي تثنية أبي بكر وعمر : العمرين ، قال الشاعر (٣) :
__________________
(١) الحطيئة يمدح بغيض بن عامر التميمي.
(٢) لم أجده في معاني القرآن وإعرابه للزجاج ، ولعلّ المصنّف نقله سماعا.
(٣) الفرزدق من قصيدة له يفتخر بآبائه ويهجو جريرا. من شواهد الزجاج في معاني القرآن