قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (٣١) ؛ أي قال كفّار مكّة : هلّا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين مكّة والطائف ، وعنوا بالرّجلين إما الوليد بن المغيرة من مكّة ، وإما أبا مسعود الثقفيّ من الطائف (١) ، ظنّوا بجهلهم أنّ استحقاق النبوّة إنما يكون بشرف الدّنيا مع اعترافهم بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم من أرفعهم نسبا.
فقال الله تعالى ردّا عليهم وإنكارا لما قالوا : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ؛) يعني النبوّة التي هي من أعظم النّعم ، وذلك أنّهم اعترضوا على الله بقولهم : لم لم ينزل هذا القرآن على غير محمّد ، فبيّن الله تعالى أنه الذي يقسم النبوّة لا غيره.
قال مقاتل : (يقول الله تعالى : أبأيديهم مفاتيح الرّسالة فيضعونها حيث شاؤا). فبيّن الله تعالى أنه لم يجعل أمر معايشهم مع قلّة خطر ذلك إلى رأيهم ، بل رفع بعضهم فوق بعض في الرّزق ، وتلقاه شذ على ما توجبه الحكمة (٢) ، فقال تعالى : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ؛) أي قسمنا الرزق في المعيشة ، وليس لأحد أن يتحكّم في شيء من ذلك ، فكيف نجعل أمر النبوّة مع عظم قدره ورفعة شأنه إلى رأيهم ، قال قتادة في معنى (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ) : (تلقى الرّجل ضعيف الحيلة عيّ اللّسان وهو مبسوط في الرّزق ، وتلقاه شديد الحيلة بسط اللّسان وهو مقتّر عليه) (٣).
وقوله تعالى : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ ؛) يعني الفضل في الغنى والمال (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ؛) أي ليستخدم بعضهم بعضا ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٣٨٣٧) عن ابن عباس ، قال : (يعني الوليد بن المغيرة القرشي ، أو حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي).
(٢) المعنى كما جاء في حديث قتادة ، قال : (قال الله تعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فتلقاه ضعيف الحيلة ، عيّ اللسان ، وهو مبسوط له في الرزق ، وتلقاه شديد الحيلة ، سليط اللسان ، وهو مقتور عليه). أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٣٨٤٤).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٣٨٤٤).