مما وجدتّم عليه آباءكم ، فأبوا أن يقبلوا ذلك ؛ و (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) (٢٤).
ثم ذكر ما فعل بالأمم المكذّبة تخويفا لهم فقال تعالى : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (٢٥) ؛ يعني ما صنع بقوم نوح وعاد وثمود.
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) (٢٦) معناه واذكر يا محمّد إذ قال إبراهيم لأبيه وقومه حين خرج من السّرب وهو ابن سبع عشرة سنة ، رأى أباه وقومه يعبدون الأصنام ، فقال لهم : إنّي براء مما تعبدون من دون الله تعالى ، (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) (٢٧) ، إلّا من الذي خلقني فإنه سيحفظني ويرشدني لدينه وطاعته.
وقوله تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ؛) أي وجعل براءته عن عبادة غير الله وهي كلمة التوحيد : لا إله إلّا الله ؛ باقية في عقبه لكي يرجعوا إلى التوحيد ، ويدعوا الخلق إليه ، فلا يزال في ولده من يوحّد الله تعالى. ومعنى الآية : وجعلها كلمة باقية في ذريّة إبراهيم ونسله ، فلا يزال في ذريّته من يعبد الله ويوحّده ، (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٢٨) ؛ أي لعلّ أهل مكّة يتّبعون هذا الدّين ويرجعون إلى دينك دين إبراهيم ، إذ كانوا من ولده. وقال السديّ : (لعلّهم يتوبون ويرجعون عمّا هم عليه إلى عبادة الله تعالى) (١).
ثم ذكر نعمته على قريش فقال : (بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ ؛) يعني المشركين متّعتهم بأموالهم وأنفسهم وأنواع النّعم ، ولم أعاجلهم بعقوبة كفرهم ، بل أمهلتهم زيادة في الحجّة وقطعا للمعذرة ، (حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ ؛) أي القرآن ، (وَرَسُولٌ مُبِينٌ) (٢٩) ؛ للحجج وهو النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بيّن لهم الأحكام والدين.
وكان من حقّ الإنعام أن يطيعوا الرسول بإجابته ، فلم يجيبوه وعصوا ، وهو قوله : (وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ) (٣٠) ؛ أي لما جاء هم الرسول والقرآن ، نسبوا القرآن إلى السّحر وجحدوا به.
__________________
(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ١١٦٧.