فيقال لهذا القائل : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي ؛) يعني القرآن ؛ (فَكَذَّبْتَ بِها ؛) أي قلت : ليست من عند الله ، (وَاسْتَكْبَرْتَ ؛) أي وتكبّرت من الإيمان بها ، وتعظّمت عن الإقرار بذلك ، (وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٥٩) ، وصرت من الجاحدين لنعم الله ، فأصابك ما أصابك بجنايتك على نفسك.
قوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ؛) أي وترى يا محمّد يوم القيامة الذين كذبوا على الله في قولهم : عزير ابن الله ، وقولهم : المسيح ابن الله ، وقولهم : الملائكة بنات الله تعالى ، وقول عبدة الأصنام : ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى الله زلفى ، ترى هؤلاء تسودّ وجوههم وتزرقّ أعينهم. وقوله : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) (٦٠) ؛ تحقيق وتقرير ، والمثوى : هو المنزل ، والمتكبر : هو المتعظّم عن الإيمان.
قوله تعالى : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ ؛) أي يخلّصهم من العذاب بفوزهم الذي استحقّوه بأعمالهم ، قال المبرّد : (المفازة : مفعلة من الفوز) (١) وهي السّعادة وإن جمع فحسن كقولهم السّعادة والسّعادات ، ويقرأ (بمفازاتهم). وقوله : (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ ؛) أي لا يصيبهم العذاب ، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦١) ؛ لأنّهم رضوا بالثواب.
وقوله تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ؛) أي جميع ما في الدّنيا والآخرة من شيء فالله خالقه ، وهو المستحقّ للعبادة ، قوله تعالى : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (٦٢) ؛ أي الأشياء كلّها موكلة إليه ، فهو القائم بحفظها ، المدبر لأمورها ، الكفيل بأرزاقها.
قوله تعالى : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ؛) أي له خزائن السّموات والأرض ، يفتح الرزق على من يشاء ويغلقه ، قال ابن عبّاس : (المقاليد المفاتيح) (٢) واحد المقاليد مقليد ، كما يقال منديل ومناديل ، وقال الضحّاك : (مقاليد السّموات
__________________
(١) ذكره عنه أيضا البغوي في معالم التنزيل : ص ٢٢٣١.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٣٢٧٣).