وذلك أنّهم لمّا كانوا لا يقرّون بالبعث والنّشور كانوا لا يتوقّعون أهوال يوم القيامة ، بل كانوا ينتظرون ثواب الله أن لو قامت القيامة كما أخبر الله عنهم بقوله (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى)(١) فإذا رأوا العذاب فقد ، (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا ؛) وظهر لهم عقوبات ما كسبوا من المعاصي ، (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٤٨) ، وحلّ بهم جزاء استهزائهم بالكتاب والرسول.
قوله تعالى : (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ؛) أي إذا أصابه مكروه دعانا لنكشف عنه ، (ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا) ، ثم أعطيناه نعمة منّا من صحّة وعافية ، ويسر بعد شدّة ، (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ ؛) الله أنّني أهل لذلك ، وقال : على علم منّي فيه بوجوه مكاسبة.
وقوله : (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ ؛) أي بل النعمة والشدّة بليّة وامتحان من الله للغنيّ والفقير ، للغنيّ بالشّكر وللفقير بالصبر ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٤٩) ؛ أنّها من الله.
قوله تعالى : (قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ؛) أي قد قال تلك الكلمة قارون حين قال (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي)(٢). والمعنى قد قالها الذين من قبل هؤلاء الكفّار ، (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٥٠) ؛ أي ما أغنى عنهم الكفر من العذاب شيئا ، والمعنى أنّهم ظنّوا إنما آتيناهم لكرامتهم علينا ، ولم يكن كذلك ؛ لأنّهم وقعوا في العذاب ، ولم يغن عنهم ما كسبوا شيئا ، وقوله تعالى : (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا ؛) أي جزاؤها.
ثم أوعد كفار مكّة فقال : (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا ؛) أي جزاء ما قالوا وعملوا ، (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٥١) ؛ لأن مرجعهم الله ، فهم لا يعجزونه ولا يفوتونه فيجازيهم بأعمالهم.
__________________
(١) فصلت / ٥٠.
(٢) القصص / ٧٨.