لهم يا محمّد : (أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ) (٤٣) ، أتعبدونهم وإن كانوا لا يقدرون على شيء من الشفاعة ولا يعقلون الشفاعة ، فكيف يشفعون؟ وقيل : ولا يعقلون أنّكم تعبدونهم.
ثم أخبر أنه لا شفاعة إلّا بإذنه ، فقال : (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٤٤) ؛ أي لا يشفع أحد إلّا بإذنه ، والمعنى لا يملك (١) أحد الشفاعة إلّا بتمليكه ، وهو إبطال لشفاعة الأصنام.
قوله تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ؛) وذلك أنّ المشركين إذا قيل لهم لا إله إلّا الله وحده نفروا من ذلك واستكبروا.
والاشمئزاز في اللّغة : النّفور والاستكبار. قال ابن عبّاس رضي الله عنه : (اشمأزّت انقبضت عن التّوحيد) وقال قتادة : (استكبرت) (٢) ، وقال أبو عبيدة : (نفرت).
قوله تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ؛) يعني الأصنام التي يعبدونها من دون الله ، (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (٤٥) ؛ والمعنى إذا قيل لهم : لا إله إلّا الله ، نفروا من ذلك ، وإذا ذكرت أصنامهم فرحوا بذكرها. فقيل له : (قُلِ ؛) لهم يا محمّد : (اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ؛) أي خالقهما ، (عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ؛) أي عالم ما غاب عن العباد ، وما علمه العباد ، (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ) ، أي تقضي بين عبادك ، (فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٤٦) ؛ من الدّين.
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ؛) أي لو كان للّذين ظلموا أنفسهم بالشّرك ما في الأرض جميعا من المال ومثله معه لفدوا به أنفسهم لشدّة ما ينزل بهم من العذاب ، ثم لا يقبل منهم ذلك الفداء ، وظهر لهم من عقاب الله ما لم يكونوا يتوقّعون في الدّنيا أنه ينزل بهم في الآخرة.
__________________
(١) في المخطوط : (يَمْلِكُونَ).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٣٢٣٥).