وبيّن أنه تعالى إذا أراد بعبده ضرّا لم تقدر الأصنام على دفعه عنه ، وإذا أراد بعبد رحمة لم تقدر الأصنام على حبسها عنه ، فكيف يعبدونها ويتركون عبادة الله الذي له هذه الصفات.
قوله تعالى : (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ) أي أمر الله النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يحتجّ عليهم بأن جميع ما تعبدون من دون الله لا يملكون كشف ضرّ ، قال ابن عبّاس رضي الله عنه : (والمعنى : أرادني الله بفقر أو مرض أو بلاء أو شدّة ، هل هنّ كاشفات ضرّه ، أو أرادني برحمة أي بخير وصحّة ، هل هنّ حابسات تلك الرّحمة عنّي).
قرأ أبو عمرو ويعقوب (كاشفات) و (ممسكات) بالتنوين ؛ لأنّ اسم الفاعل غير واقع ، وما لم يقع منه فوجهها التنوين ، وقرأ الباقون بغير تنوين استخفافا ، وكلا الوجهين حسن.
وقوله تعالى : (قُلْ حَسْبِيَ اللهُ ؛) أي يكفيني الله تعالى الذي بيده الضرّ والرحمة ، (عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) (٣٨) ؛ أي به يثق الواثقون لا بغيره.
قوله تعالى : (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ ؛) أي على ناحيتكم التي اخترتموها ، (إِنِّي عامِلٌ ؛) على ناحيتي وجهتي ، (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ ؛) أي يفضحه ويهلكه في الدّنيا ، (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٤٠) ؛ وينزل عليه عذاب دائم في الآخرة. ويجوز أن يكون قوله (مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) ابتداء كلام من الله تعالى ، وخبره (يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ).
قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ ؛) يعني القرآن لتعلموا ما فيه وتعملوا به ، (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ ؛) أي فمنفعة اهتدائه راجعة إلى نفسه ، (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) ، ومن ضلّ فضلاله راجع إليه ، (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (٤١) ؛ أي بحفيظ ؛ أي تجبرهم بالإيمان ، وهذا كان قبل أن يؤمر بقتالهم.