نسب الأنبياء عليهمالسلام إلى هذا وصدّق به فهو ممّن لا يصلح لإيمانه بهم ، ولئن يخطئ الإنسان في نفي الفواحش عنهم خير ممّن يخطئ في إضافتها إليهم ، وقد أمرنا في الشّريعة بحمل أمور المسلمين على الصّحّة والسّداد ما أمكن.
وعن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما أنه قال : (ما زاد داود عليهالسلام على أن قال لزوجها : تحوّل لي عنها) (١). وعن عليّ رضي الله عنه أنه قال : (لئن سمعت أحدا يقول إنّ داود عليهالسلام قارب من تلك المرأة سواء أو حدّث بحديث داود عليهالسلام على ما يرويه القصّاص معتقدا صحّته جلدته مائة وستّين جلدة) (٢) يعني مثل حدّ قذف سائر الناس.
وقيل : إنّ ذنب داود عليهالسلام أنه تمنّى أن تكون له امرأة أوريا حلالا ، وحدّث نفسه بذلك ، فاتفق غزو أوريا وتقدمه في الحرب وهلاكه ، فلما بلغه قتله لم يجزع ولم يتوجّع عليه كما يجزع على غيره من جنده إذا هلك ، ثم تزوّج امرأته فعاتبه الله على ذلك ؛ لأن ذنوب الأنبياء وإن صغرت فهي عظيمة عند الله.
وقوله تعالى : (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) (٢٤) ؛ أي خرّ ساجدا ، وعبّر عن السّجود بالرّكوع لأن كليهما بمعنى الانحناء ، روي أنه مكث ساجدا أربعين ليلة حتى نبت العشب من دموعه على رأسه وأكلت الأرض جبينه ، وكان يقول : رب زلّ داود زلّة أبعد ما بين المشرق والمغرب ، سبحان الملك الأعظم الذي يبتلي الخلق بما يشاء ، سبحان خالق النّور ، إلهي تبكي الثّكلى على ولدها إذا فقدته ، وداود يبكي على خطيئته.
إلهي أنت خلقتني وفي سابق علمك ما أنا إليه صائر ، سبحان خالق النّور ، إلهي الويل لداود إذا كشف الغطاء ، فيقال : هذا داود الخاطئ ، سبحان خالق النّور ، إلهي بأيّ عين أنظر إليك يوم القيامة ، وإنما ينظر الظالمون من طرف خفيّ ، وبأيّ قدم أقوم بها يوم تزلّ أقدام الخاطئين ، سبحان خالق النّور.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٢٩٢٤). وابن أبي حاتم في التفسير الكبير : ج ١٠ ص ٣٢٤٠. وفي الدر المنثور : ج ٧ ص ١٦١ ؛ قال السيوطي : (أخرجه عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس) وذكره.
(٢) ذكره ابن عادل الحنبلي في اللباب : ج ١٦ ص ٤٠٢.