حتّى دخل بيت المقدس فحاصرهم وفتحها ، فقتل على دم يحيى بن زكريّا أربعين ألفا ـ وقيل : سبعين ألفا ـ وسبى أهلها ، وسلب حليّ بيت المقدس ، وكان سليمان ابن داود قد بناه من ذهب وياقوت وزبرجد ، وعموده ذهب ، أعطاه الله ذلك وسخّر الشّياطين له يأتونه بهذه الأشياء.
ثمّ سار بختنصّر بالأسارى حتّى نزل بابل فأقام بنو إسرائيل في مدّته سنة تتعبّد المجوس وأبناء المجوس ، ثمّ إنّ الله تعالى رحمهم فسلّط ملكا من ملوك فارس يقال له كورش وكان مؤمنا ، فسار إليهم فاستنقذ بني إسرائيل منهم ، واستنقذ حليّ بيت المقدس حتّى ردّه إليه ، فأقام بنو إسرائيل مطيعين الله زمانا ، ثمّ عادوا إلى المعاصي ، فسلّط الله عليهم ملكا آخر وحرق بيت المقدس وسباهم](١).
قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) يعني أولى المرّتين ، واختلفوا فيها ، فعلى قول قتادة : (إفسادهم في المرّة الأولى ما تركوا من أحكام التّوراة ، وعصوا ربّهم ولم يحفظوا أمر نبيّهم موسى ، وركبوا المحارم).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه : (أنّ الفساد الأوّل قتل زكريّا) (٢) ، وقيل : قتلهم شعيا نبيّ الله في الشّجرة ، قال ابن اسحق : (إنّ بعض العلماء أخبره أنّ زكريّا مات موتا ولم يقتل ، وإنّما المقتول شعيا) (٣).
قوله تعالى : (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا) يعني جالوت وجنوده ، وقال ابن اسحق : (بختنصّر البابليّ وأصحابه ، أولي بأس شديد ؛ أي ذوي بطش شديد في الحرب ، فجاسوا خلال الدّيار ؛ أي طافوا وداروا). وقال الفرّاء : قتلوكم بين بيوتكم (٤) ، قال حسّان (٥) :
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٦٦٤٩).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٦٦٤٧) عن ابن عباس وعن ابن مسعود.
(٣) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ٢٠٦ ذكره القرطبي.
(٤) قاله الفراء في معاني القرآن : ج ٢ ص ١١٦.
(٥) ذكره القرطبي أيضا في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ٢١٦.