قوله تعالى : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) (٢) ؛ أي يا ذرّية من حملنا مع نوح ، والناس كلّهم ذرية نوح ، ثم اثنى على نوح فقال : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) لنعم الله ، كان إذا أكل أو شرب أو اكتسى أو احتذى قال : الحمد لله.
قوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ ؛) أي أخبرناهم في التوراة ، (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ؛) أي لتعصنّ كرّتين بقتل النّفوس ، وتخريب الديار ، وأخذ الأموال ، (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) (٤) ؛ ولتظلمنّ ظلما عظيما.
قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ؛) أي سلّطنا عليكم عبادا لنا ذوي عدّة في القتال ، (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ ؛) قال ابن عباس : (وهم بختنصّر وأصحابه المجوس ، سلّطهم الله على بني إسرائيل حين عصت في أوّل الفسادين ، فقتل منهم بختنصّر أربعين ألفا ممّن كان يقرأ التّوراة ، ودخل ديارهم وطلبهم طلبا شديدا حتّى كانوا ينظرون في الأزقّة والبيوت ، هل بقي أحد لم يقتلوه ، واستأسروا من بقي بعد الأربعين ألفا ، ومضوا بهم إلى بلادهم ، فمكث الأسراء في أيديهم تسعين سنة حتّى مات بختنصّر). قوله تعالى : (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) (٥) ؛ أي وعدا كائنا لا محالة.
قوله تعالى : (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ؛) أي جعلنا لكم الدولة والرجعة عليهم ، (وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ ؛) أي وأعطيناكم أموالا وبنين ، (وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) (٦) ؛ أي أكثر عددا ينفرون إليهم.
وذلك أنّ رجلا من أهل الكتاب يقال له : كورش غزا أرض بابل ، وهي بلاد بختنصّر ، فظهر عليهم فقتلهم وسكن ديارهم ، وتزوّج امرأة من بني إسرائيل أخت ملك بني إسرائيل ، فطلبت من زوجها أن يردّ قومها إلى أرضهم ففعل ، فمكث في بيت المقدس مائتين وعشرين سنة ، وقامت بينهم الأنبياء ، ورجعوا الى أحسن ما كانوا عليه ، فذلك قوله تعالى : (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ.)
وعن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في هذه الآية : [إنّ بني إسرائيل لمّا اعتدوا وقتلوا الأنبياء ، بعث الله عليهم ملك الرّوم بختنصّر ، فسار إليهم