قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ؛) فيه بيان على أن العزم على الفسق فسق ، وأنّ على الإنسان أن يحبّ للناس ما يحبّ لنفسه ، وأن يكون في قلبه سلامة للمؤمنين ، كما يكون مأمورا بكفّ اللسان والجوارح. ومعنى الآية : إن الذين يحبّون أن يفشو ويظهر الزّنا في الذين آمنوا بأن ينسبوه إليهم ويقذفوهم به ، (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا ؛) يعني الجلد ، (وَالْآخِرَةِ ؛) يعني عذاب النار ، يريد بذلك المنافقين ، (وَاللهُ يَعْلَمُ ؛) ما خضتم فيه من الإفك ، وما فيه من سخط الله ، (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (١٩) ؛ ذلك ، فحذر رسول الله صلىاللهعليهوسلم جميع قاذفي عائشة.
قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٢٠) محذوف الجواب تقديره : (ولو لا فضل الله عليكم ورحمته) لعجّل لكم العذاب وعاقبكم في ما قلتم في أمر عائشة ومحبّتكم إشاعة الفاحشة فيها ، (وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) فلم يعاقبكم في ذلك. قال ابن عبّاس : (يريد مسطح وحسّان وحمنة).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ ؛) أي لا تسلكوا طرق الشّيطان ، ولا تعملوا بتزيينه ووسوسته في قذف عائشة ، (فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ؛) أي يأمر بعصيان الله وكلّ ما يكره الله مما لا يعرف في شريعة ولا سنّة. وقيل : الفحشاء : القبيح من القول والعمل ، والمنكر : الفساد الذي ينكر العقل صحّته ويزجر عنه.
قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً ؛) أي ما صلح منكم من أحد أبدا. وقيل : معناه : ما طهر منكم أحد يذنب ولا صلح أمره بعد الذي قال في عائشة ما قال ، ولا قبل توبة أحد منكم ، (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ ؛) أي يطهّر من يشاء من الإثم بالرحمة والمغفرة ، فيوفّقه للتوبة ، (وَاللهُ سَمِيعٌ ؛) أي سميع لمقالتكم ، (عَلِيمٌ) (٢١) ؛ بما في نفوسكم من النّدامة والتوبة. وقيل : معناه : سميع لمقالة الخائضين في أمر عائشة وصفوان ، عليم ببراءتهما.
قوله تعالى : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ ؛) أي لا يحلف ذوو الغنى والسّعة منكم أن يعطوا