ذوي القربى والمساكين والمهاجرين من مكّة إلى المدينة. نزل ذلك في أبي بكر رضي الله عنه حين بلغه مقالة مسطح وأصحابه في خوضهم في أمر عائشة ، حلف بالله لا ينفق عليه.
قيل : إنّه دعاه وقال له : (أغدوك يا مسطح بمالي وتؤذيني في ولدي؟ والله لا أنفق عليك). وكان مسطح ابن خالة أبي بكر رضي الله عنه ، وكان مسطح من المهاجرين البدريّين. فلمّا نزلت هذه الآية تلاها رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أبي بكر رضي الله عنه فقال : (بلى ؛ أحبّ أن يغفر الله لي ، أطيع ربي وأرغم أنفي وأردّ النّفقة عليه) (١).
وقوله تعالى (أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى) معناه : أن لا يؤتوا فحذف (لا). قال ابن عباس : (قال الله لأبي بكر رضي الله عنه : قد جعلت فيك يا أبا بكر الفضل والمعرفة بالله وصلة الرّحم ، وجعلت عندك السّعة فأنفق على مسطح ، فله قرابة وله هجرة وله مسكنة). وقوله تعالى : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٢) ؛ قال مقاتل : (قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لأبي بكر : [أما تحبّ أن يغفر الله لك؟] قال : بلى ، قال : [فاعف واصفح] قال : قد عفوت وصفحت ، لا أمنعه معروفي بعد اليوم أبدا ، وقد جعلت له مثل ما كان قبل اليوم) (٢).
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ ؛) معناه : إن الذين يقذفون العفائف الغافلات عمّا قذفن به كغفلة عائشة عن ما قيل فيها ، (الْمُؤْمِناتِ ،) بالله ورسوله ، (لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ؛) أي عذّبوا في الدّنيا بالحدّ ، وفي الآخرة بعذاب النار. وسمّيت عائشة غافلة ؛ لأنّها قذفت بأمر لم يخطر ببالها ، فأصاب كلّ واحد من قاذفيها ذاهبة في الدّنيا. أمّا ابن أبيّ فقد مات كافرا ونهى النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن الصّلاة عليه ، وأما حسّان فقد دخل على عائشة رضي الله عنها بعد ما ذهب بصره في آخر عمره ، وأنشدها في بيتها :
حصان رزان ما تزنّ بريبة |
|
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل |
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح : كتاب التفسير : الحديث (٤٧٥٠).
(٢) قاله مقاتل في التفسير : ج ٢ ص ٤١٤.