رضي الله عنها ، فمن جوّز صدق أولئك في أمر عائشة صار كافرا بالله لا محالة ؛ لأنه ردّ شهادة الله لها بالبراءة.
قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١٤) ؛ معناه : لو لا منّة الله وإنعامه عليكم في الدّنيا والاخرة بتأخير العذاب عنكم ، وقبول التوبة لمن تاب لمسّكم فيما خضتم فيه من الإفك عذاب عظيم هائل في الدنيا والآخرة لا انقطاع له.
قوله تعالى : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ؛) قال الكلبيّ : (وذلك أنّ الرّجل منهم كان يلقى الرّجل فيقول : بلغني كذا وكذا ، ويتلقّونه تلقّيا) ، قال الزجّاج : (يلقيه بعضكم إلى بعض) (١) ، (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ؛) ولا بيان ولا حجّة ، (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً ؛) أي تظنّون أن ذلك القذف سهل لا إثم فيه (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) (١٥) ؛ في الوزر والعقوبة. قرأ أبيّ : (إذ تتلقّونه) بتاء ين ، وقرأت عائشة (إذ تلقونه) بكسر اللام وتخفيف القاف من الولق ، والولق الكذب ، يقال : ولق فلان إذا استمرّ على الكذب ، وولق فلان السّرّ إذا استمرّ به (٢).
قوله تعالى : (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا ؛) معناه : هلّا قلتم حين سمعتم ذلك : لا يحلّ لنا أن نتكلّم بهذا. قوله تعالى : (سُبْحانَكَ ؛) أي تنزيها لله تعالى أن تكون امرأة نبيّه زانية ، قوله تعالى : (هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) (١٦) ؛ أي كذب ، يقال : بهته يبهته بهتا وبهتانا ؛ إذا أخبره بالكذب عليه.
وقوله تعالى : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً ؛) أي ينهاكم الله ويخوّفكم ويحرّم عليكم أن تعودوا لمثل هذا القذف ، (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٧) ؛ لأن قذف المحصنات لا يكون من صفات المؤمنين ، وقوله تعالى (لِمِثْلِهِ) أي إلى مثله. قوله تعالى : (وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ ؛) أي الأمر والنهي ، (وَاللهُ عَلِيمٌ ؛) بمقالة الكاذبين في أمر عائشة ، (حَكِيمٌ) (١٨) ؛ في ما شرّع من الأحكام.
__________________
(١) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ج ٤ ص ٣١.
(٢) في معاني القرآن وإعرابه : ج ٤ ص ٣١ ؛ قال الزجاج : (وقرأت عائشة رحمها الله : (إذ تلقونه بألسنتكم) ومعناه : إذ تسرعون بالكذب ، يقال : ولق يلق إذا أسرع في الكذب وغيره.