وبذكر السّارق قبل ذكر السّارقة في آية السّرقة فقال : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ)(١)؟ قيل : لأن الرجل هو الذي يسرق غالبا ، والمرأة هي السبب في الزّنا غالبا ، فأخرج الخطاب في المؤمنين على الأغلب.
قوله تعالى : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ؛) قال ابن عبّاس : (نزلت هذه الآية في قوم من المهاجرين ، دخلوا المدينة ولم يكن لهم مساكن ولا مال يأكلون منه ولا أهل يأوون إليهم ، وفي المدينة باغيات سافحات يكرين أنفسهمّ ويضربن الرّايات على أبوابهنّ يكتسبن بذلك ، وكان أولئك المهاجرين الفقراء يطلبون معايشهم بالنّهار ويأوون إلى المساجد باللّيل ، فقالوا : لو تزوّجنا منهنّ فعشنا معهم إلى يوم يغنينا الله عنهنّ ، وقصدوا أن يتزوّجوهنّ وينزلوا منازلهنّ ، ويأكلوا من كسبهنّ ، فشاوروا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم في ذلك ، فأنزل الله هذه الآية ، فنهوا أن يتزوّجوهنّ على أن يحلّوهنّ والزّنا) (٢).
والمعنى : لا يرغب في نكاح الزانية إلّا زان مثلها ، ونظيره قوله تعالى : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) ميل الخبيث إلى الخبيث وميل الطيّب إلى الطيب ، وقد يقع الطيب مع الخبيث ، لكن الأعمّ والأغلب ما ذكرنا.
قوله تعالى : (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٣) ؛ أي حرّم على المؤمنين تزويج تلك الباغيات المعلنات بالزّنا ، وفيه بيان أن من يتزوج بامرأة منهنّ فهو زان ، فالتحريم كان خاصّة على أولئك دون الناس.
ومذهب سعيد بن المسيّب : أنّ التحريم كان عامّا عليهم وعلى غيرهم ، ثم نسخ التحريم بقوله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ)(٣) ، فإن تزوج الرجل امرأة وعاين منها الفجور لم يكن ذلك تحريما بينهما ولا طلاقا ، ولكنه يؤمر بطلاقها تنزّها عنها ، ويخاف عليه الإثم في إمساكها ؛ لأن الله تعالى شرط على المؤمنين نكاح المحصنات من المؤمنات.
__________________
(١) المائدة / ٣٨.
(٢) بمعناه أخرجه الطبري في جامع البيان : الآثار (١٩٤٨٩ ـ ١٩٤٩١).
(٣) النور / ٣٢.