أحدا من خلقه به ، ولم يعط أحدا علمه من عباده ، فقال : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي من علم ربي وإنّكم لا تعلمونه).
قوله تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥) ؛ أي وما أوتيتم من العلم المنصوص عليه ، إلا قليلا من كثير بحسب حاجتكم إليه ، قل : فالروح من المتروك الذي لا يصلح النصّ عليه لأمور من الحكمة تقتضي تركه. والخطاب لليهود ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمّا قرأ هذه الآية على اليهود ، قالوا : أوتينا التوراة وفيها الحكمة ، (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) ، فأعلمهم الله أنّ علم التوراة قليل في علم الله تعالى (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ)(١).
قوله : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ؛) أي لو شئنا لمحونا القرآن من القلوب والكتب ، وأنسينا ذكره كيلا يوجد له أثر ، (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) (٨٦) ؛ تتوكّل عليه في ردّ شيء منه ، وقوله تعالى : (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ؛) أي لكن لا نشاء ذلك إلا رحمة من ربك ، فأثبت ذلك في قلبك وقلوب المؤمنين. قوله تعالى : (إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) (٨٧) ؛ أي حيث اختارك للنبوّة ، واصطفاك للرسالة ، وخصّك بالوحي والقرآن ، وجعلك سيّد ولد آدم ، وختم بك الأنبياء ، وأعطاك المقام المحمود.
وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنّه خرج وهو معصوب الرّأس من وجع ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : [يا أيّها النّاس ، ما هذه الكتب الّتي تكتبون؟ أكتاب غير كتاب الله ، كلّ من كتب كتابا غير كتاب الله يوشك أن يغضب الله عليه لكتابه ، ولا يدع ورقا ولا قلبا إلّا أخذ منه] قالوا : يا رسول الله فكيف بالمؤمنين والمؤمنات يومئذ؟ قال : [من أراد الله به خيرا بقي في قلبه لا إله إلّا الله](٢).
__________________
(١) لقمان / ٢٧.
(٢) في الدر المنثور : ج ٥ ص ٣٣٦ ؛ قال السيوطي : (أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما).