وعن عبد الله بن مسعود : (إنّ أوّل ما تفقدون من دينكم الأمانة ، وآخر ما تفقدون من دينكم الصّلاة ، وليصلّينّ أقوام ولا دين لهم ، وإنّ هذا القرآن ليصبحنّ وما فيكم منه شيء) فقال رجل : كيف يكون ذلك يا أبا عبد الرّحمن وقد أتقنّاه في قلوبنا ، وأثبتناه في مضاجعنا ، نعلّمه آباءنا وأبناءنا إلى يوم القيامة؟ قال : (يسري به في ليلة فيذهب ما في المصاحف وما في القلوب. وقرأ عبد الله : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ)(١).
وعن عبد الله قال : (أكثروا الطّواف بالبيت قبل أن يرفع وتبني النّاس مكانه ، وأكثروا من تلاوة القرآن قبل أن يرفع) فقيل : هذه المصاحف ترفع ، فكيف بما في صدور الرّجال؟ قال : (يسري عليه ليلا فتصبحوا منه فقراء ، وتنسون قول لا إله إلّا الله ، وتقعون في قول الجاهليّة وأشعارهم) (٢).
وعن عبد الله بن عمرو قال : (لا تقوم السّاعة حتّى يرتفع القرآن من حيث نزل به ، له دويّ كدويّ النّحل ، فيقول الرّبّ عزوجل : ما بالك؟ فيقول : يا رب منك خرجت وإليك أعود ، أتلى ولا يعمل بي) (٣).
قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ؛) هذا تكذيب للنّضر بن الحارث حين قال : لو نشاء لقلنا مثل هذا ، والمعنى : قل لو اجتمعوا على أن يأتوا بمثله في حسن النّظم ، وجودة اللفظ ، وجمع المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة لا يأتون بمثله. قوله تعالى : (وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٨٨) ؛ أي أعوانا ، وأما رفع (لا يَأْتُونَ) ؛ فلأنّ جواب القسم غالب على جواب (أَنْ) لوقوعه في صدر الكلام.
__________________
(١) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ٣٢٥ ـ ٣٢٦ ؛ قال القرطبي : (أخرج أبو بكر بن أبي شيبة بمعناه) وذكره وقال : (هذا إسناد صحيح). وفي الدر المنثور : ج ٥ ص ٣٣٤ ؛ قال السيوطي :
(أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان).
(٢) ينظر ما قبله. وينظر : جامع البيان : تفسير الآية والأثر (١٧١١٣).
(٣) في الدر المنثور : ج ١٠ ص ٣٣٥ ؛ قال السيوطي : (أخرجه محمّد بن نصر في كتاب الصلاة).