قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ؛) أي يخلّصكم من الشدّة في البحر عند عصف الرياح وترادف الأمواج ، وخفتم الغرق ، ضلّ من تدعون من الأصنام عن تخليصكم ؛ أي بطل وزال ، ولا يرجون النجاة إلا من الله.
قال ابن عبّاس : (معناه : إذا مسّكم الضّرّ في البحر نسيتم الأنداد والشّركاء ، وتركتموهم وأخلصتم لله) ، (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ ،) فلمّا أجاب دعاءكم ونجّاكم من البحر ، وأخرجكم إلى البرّ ونجاكم ، (أَعْرَضْتُمْ ؛) عن الإيمان والطاعة ، ورجعتم إلى ما كنتم عليه ، (وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) (٦٧) ؛ لنعم الله تعالى ، وأراد بالإنسان الكافر.
قوله تعالى : (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ ؛) معناه : أفأمنتم بعد ذلك أن نخسف بكم الأرض كما فعل بقارون ، (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ؛) أي حجارة تمطر من السّماء عليكم ، كما أمطرت على قوم لوط ، قال القتيبيّ : (الحاصب : الرّيح الّتي ترمي بالحصباء) وهي الحصى الصّغار (١) ، يقال : حصبه بالحجارة ، إذا رماه بها متتابعا. قوله تعالى : (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) (٦٨) ؛ أي حافظا يحفظكم من عذاب الله.
قوله تعالى : (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى ؛) أي أم أمنتم أن يعيدكم الله في البحر مرّة أخرى ، (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ ؛) أي ريحا شديدة تقصف الفلك ، قال أبو عبيدة : (القاصف هي الرّيح الّتي تقصف كلّ شيء ؛ أي تدقّه وتحطّمه). وقال القتيبيّ : (هي الّتي تقصف الشّجر). قوله تعالى : (فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ؛) أي بكفركم ، (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) (٦٩) ؛ أي لا تجدوا لكم من يتبعنا فيطالبنا بدمائكم ، والتّبيع : من يتبع غيره لأمر.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ؛) أي فضّلناهم بالعقل والنّطق والتمييز ، وعاملناهم معاملة الإكرام بالنعمة ، وجعلناهم يهتدون إلى معايشهم. قوله
__________________
(١) نقله القرطبي أيضا في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ٢٩٣.