قوله تعالى : (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) (٦٢) ؛ أي لأستأصلنّ ذرّيته بإغوائهم ، إلّا قليلا منهم وهم الذين عصمتهم مني ، تقول العرب : احتنكت السّنة أموالنا ؛ أي استأصلتها ، قال الشاعر (١) :
أشكو إليك سنة قد أجحفت |
|
واحتنكت أموالنا واجتلفت |
واحتنكت حلقت ، واحتنكت الجراد ما على الأرض (٢). وقيل : معنى (لَأَحْتَنِكَنَّ) أي لأقتطعنّ ذرّيته إلى المعاصي ، يقال : احتنك فلان ما عند فلان من مال ، إذا اقتطعه. وقيل : معناه : لأقودنّ ذريّته إلى المعاصي وإلى النار ، من قولهم : حنك دابّته يحنكها من الأسفل بحبل يقودها به.
قوله تعالى : (قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) (٦٣) ؛ أي فمن تبعك من ذرية آدم فإنّ جهنم جزاؤكم جزاء وافرا مكمّلا. قوله : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ؛) أي استنزل واستخفّ واستجهل من استطعت منهم بدعائك في المعصية ، من قولهم : صوّت فلان ، إذا دعاه ، ويقال : أراد بالصوت صوت الغناء والمزامير ، وهذا لعلى وجه التهديد وإن كان في صورة الأمر كقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ)(٣) وكقولهم : أجهد جهدك.
قوله تعالى : (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ؛) أي صح بخيلك ورجلك احثثهم على الإغواء ، يقال : أجلب على العدوّ ، إذا جمع عليهم الخيول ، والمعنى على هذا : إجمع عليهم كلّ ما تقدر من مكائد ، وقال مقاتل : (معناه : استعن عليهم بركاب جندك ومشاتهم) (٤). والجلب هو قود الشيء وسوقه بالصوت ، يقال للغنم : جلب
__________________
(١) أصلها أبيات ثلاثة من مشطور الرجز ، كما في تفسير الطبري والقرطبي ؛ قال الشاعر :
أشكو إليك سنة قد أجحفت |
|
جهدا إلى جهد بنا وأضعفت |
واحتنكت أموالنا واجتلفت |
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ٢٨٧ ؛ قال القرطبي : (روي عن العرب : احتنك الجراد الزرع ، إذا ذهب به كلّه).
(٣) فصلت / ٤٠.
(٤) قاله مقاتل في التفسير : ج ٢ ص ٢٤٦.