ومن المفسّرين من قال : هذه الآية خطاب للمؤمنين ؛ لأنّهم يستجيبون لله بحمده على إحسانه إليهم ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : [كأنّي بأهل لا إله إلّا الله وهم ينفضون التّراب عن رؤوسهم ويقولون : الحمد لله الّذي أذهب عنّا الحزن](١).
قوله تعالى : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ؛) وذلك أنّ المشركين كانوا يؤدون الصّحابة رضي الله عنهم بالقول والفعل بمكّة ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالوا : يا رسول الله ائذن لنا في قتالهم ، فقال : [إنّي لم أؤمر فيهم بشيء](٢) وكان ذلك قبل أن يؤمر بالجهاد.
والمعنى : قل للمؤمنين يقولون للكفّار ، والمقالة التي هي أحسن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على وجه الرّفق ، ويقولون لهم : يهديكم الله. قوله تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ؛) أي يغري المشركين على المسلمين ، فيوقع العداوة بينهم ويفسد نيّتهم ، (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) (٥٣) ؛ مظهرا للعداوة.
قوله تعالى : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) أي بأحوالكم ، (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ ؛) بأن ينجّيكم من كفّار مكّة وينصركم عليهم ، (أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ؛) أي يسلّطهم عليكم ، (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) (٥٤) ؛ أي حفيظا وكفيلا ؛ أي ما وكّل إليك إيمانهم ، إن شاء الله تعالى هداهم ، وإن شاء خذلهم.
قوله تعالى : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ؛) لأنه خلقهم فهدى بعضهم وأضلّ بعضهم على علم منه بهم ، لم يختر بعض الملائكة والأنبياء لميله
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٥ ص ٣٠١ ؛ قال السيوطي : (أخرجه ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه) وقال : (أخرجه الحكيم الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وأبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر). وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير : ج ٧ ص ٢٣٣٤ : الرقم (١٣٣٠٩). وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان : باب في الإيمان بالله : الحديث (١٠٠) وإسناده ضعيف.
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ؛ قال القرطبي : (ذكره ثعلب والماوردي وابن عطية والواحدي). وقال : (قاله الكلبي).