قوله تعالى : (حِجاباً مَسْتُوراً) أي ساترا لهم عن إدراكه. قوله تعالى : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ؛) أي منعناهم عن تدبّر كلام النبيّ صلىاللهعليهوسلم في وقت مخصوص ، وهو الوقت الذي أرادوا إيذاءه فيه ، (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً ،) ففي ذلك الوقت صرفنا آذانهم عن الاستماع إليه ، والمعنى : طبعنا على قلوبهم.
قوله تعالى : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ ؛) يعني إذا قلت : لا إله إلّا الله ، وأنت تتلو القرآن ، (وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) (٤٦) ، قال ابن عبّاس : (كارهين أن يوحّدوا الله) ، وقال قتادة : (إنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لمّا قال : لا إله إلّا الله ، أنكر ذلك المشركون ، وكبر عليهم) (١). والمعنى : انصرفوا عنك هاربين ؛ كراهة لما يسمعونه من توحيد الله.
قوله تعالى : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ؛) أي نحن أعلم بما يستمعون إليه من قراءة القرآن ، أنّهم لماذا يستمعون وأنّ قصدهم به الأذى دون طلب الحقّ ، فيسمعون إلى قراءتك ، (وَإِذْ هُمْ نَجْوى ؛) في أمرك يتناجون ، فيقول بعضهم : هذا كاهن ، ويقول بعضهم : هذا ساحر ، ويقول بعضهم : هذا مجنون ، ويقول بعضهم : هذا شاعر.
وقيل : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر عليّا رضي الله عنه أن يتّخذ طعاما ، فيدعو إليه أشراف قريش من المشركين ، ففعل ذلك ، ودخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقرأ عليهم القرآن ، ودعاهم إلى التوحيد ، فكانوا يستمعون ويقولون فيما بينهم متناجين : هو ساحر ، وهو مجنون مسحور.
فأخبر الله تعالى نبيّه بذلك ، وأنزل عليه (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى) أي يتناجون بينهم بالتكذيب والاستهزاء ، (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ) أي أولئك المشركون : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) (٤٧) أي مغلوب العقل قد سحر ، وأزيل عن حدّ الاستواء.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٦٨٦٠).