قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (٤٤) ؛ أي حليما لا يعجل بعقاب الكفّار ، غفورا يستر الذنوب على عباده.
قوله تعالى : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) (٤٥) ؛ نزل في قوم من المشركين كادوا (١) يؤدون النبيّ صلىاللهعليهوسلم إذا قرأ القرآن ، قال الكلبيّ : (هم أبو سفيان والنّضر بن الحرث وأبو جهل وأمّ جميل امرأة أبي لهب ، حجب الله رسوله عن أبصارهم عند قراءة القرآن ، وكانوا يأتونه ويمرّون به ولا يرونه).
وعن سعيد بن جبير قال : (لمّا نزلت (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) جاءت امرأة أبي لهب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعه أبو بكر ، فقال : يا رسول الله لو تجنّبت عن امرأة أبي لهب لئلّا تسمعك ، فإنّها امرأة نديّة ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [إنّه سيحال بيني وبينها] فجاءت أمّ جميل ولها ولولة وفي يدها فهر (٢) ، وهي تقول : هذا ممّا أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا.
ورسول الله صلىاللهعليهوسلم جالس وأبو بكر إلى جنبه. فقال أبو بكر رضي الله عنه : لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك يا رسول الله ، قال : إنّها لن تراني ، وقرأ (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً). قال : فجاءت حتّى قامت عند أبي بكر ولم تر النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فقالت : يا أبا بكر بلغني أنّ صاحبك هجاني ، فقال : لا ورب البيت ما هجاك ، فاندفعت راجعة ، فقال أبو بكر : يا رسول الله أما رأتك؟ قال : [لا]. قال : لم؟ قال : [نزل ملك بيني وبينها يسترني حتّى ذهبت](٣).
__________________
(١) هكذا في الأصل المخطوط : (كادوا) ولعلها (كانوا).
(٢) الفهر : الحجر ملء الكف. وقيل : هو الحجر مطلقا.
(٣) أخرجه الحاكم في المستدرك : كتاب التفسير : باب أم جميل عميت عن رؤية رسول الله صلىاللهعليهوسلم : الحديث (٣٤٢٨) عن أسماء بنت أبي بكر ؛ وقال : إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه ابن حبان في الإحسان : كتاب التاريخ : الحديث (٦٥١١) عن ابن عباس. قال الشيخ شعيب : حديث حسن بشواهده.