مجاهد. وذهب أكثر المفسّرين إلى أنّ المعنى : لطلبوا مغالبته ، وابتغوا طريقا ليقهروه ، كفعل الملوك يطلب كلّ واحد مغالبة صاحبه ليصفو له الملك. وقرأ ابن كثير (كَما يَقُولُونَ) بالياء على معنى : كما يقول المشركون.
قوله تعالى : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً) (٤٣) ؛ قرأ الأعمش وحمزة والكسائي (عمّا تقولون) بالتاء ، وقرأ الباقون بالياء. ومعنى الآية : تنزيها لله عن كلّ ما لا يليق به من الولد والشّريك ؛ أي يرفّع عما يقولون من إضافة البنات إلى الله تعالى. وقوله تعالى (عُلُوًّا كَبِيراً) أي تعظيما كبيرا ، ولم يقل تعاليا ؛ لأن المصدر قد يذكر لا على لفظ الأوّل كما في قوله تعالى : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)(١).
قوله تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ؛) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بالتاء ، وقرأ غيرهم بالياء. قال إبراهيم النخعيّ وجماعة من المفسّرين : (إنّ كلّ شيء سبّح لله حتّى صرير الباب) ، ولهذا قال الله تعالى : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ؛) أي لا تعلمون ، قال الحسن والضحّاك : (يعني كلّ شيء فيه الرّوح) (٢) ، وقال قتادة : (يعني الحيوانات) ، وقال عكرمة : (والشّجر يسبح والاسطوانة تسبح).
وقيل : إن التراب يسبح ما دام يابسا ، فإذا ابتلّ ترك التسبيح! وإنّ الماء يسبح ما دام جاريا ، فإذا ركد ترك التسبيح! وإنّ الورق ما دام على الشّجر يسبح ، فإذا سقط ترك التسبيح! وإنّ الثوب يسبح ما دام جديدا ، فإذا توسّخ ترك التسبيح! وإنّ الوحش إذا صاحت سبّحت ، فإذا سكتت تركت التسبيح.
وعن أنس رضي الله عنه قال : [كنّا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأخذ كفّا من حصى فسبّح في يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى سمعنا التّسبيح ، فصبّهنّ في أيدينا فما سبّحن في أيدينا](٣).
__________________
(١) المزمل / ٨.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٦٨٥٣).
(٣) في مجمع الزوائد : ج ٥ ص ١٧٩ ؛ قال الهيثمي : (رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن أبي حميد وهو ضعيف ، وله طريق أحسن من هذا في علامات النبوة. وإسناده صحيح) وذكره عن أبي ذر رضي الله عنه : في ج ٨ ص ٢٩٨ : كتاب علامات النبوة : باب تسبيح الحصى ؛ قال الهيثمي : (رواه البزار بإسنادين ورجال أحدهما ثقات. ورواه الطبراني في الأوسط وزاد عليه في إحدى طريقيه).