قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ؛) أي إلا بما يؤدّي إلى حفظه وصيانته وتمييزه ، وإنما خصّ اليتيم بذلك ؛ لأن الطمع في ماله أكثر ، وهو إلى الحفظ أحوج لعجزه عن حفظه بنفسه. قوله تعالى : (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ؛) أي حتى يكمل ثماني عشرة سنة. وقيل : معناه : حتى يبلغ وقت الحلم ويكمل عقله.
قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (٣٤) ؛ أي وأوفوا بعهد الله إليكم في أموال اليتامى ، وكلّ ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد ، (إنّ العهد كان مسؤولا) عنه للجزاء ، فحذف استكفاء بدلالة الحال.
قوله تعالى : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ ؛) أي أتمّوه ولا تبخسوه ، (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ؛) أي بميزان العدل ، قرأ أهل الكوفة (بِالْقِسْطاسِ) بكسر القاف وهما لغتان (١). قوله تعالى : (ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (٣٥) ؛ أي ذلك الذي أمرتكم به خير لكم وأحسن عاقبة ، والتّأويل : هو الذي إليه مرجع الشيء من قولهم آليؤول (٢).
قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ؛) أي لا تقل ما ليس لك به علم ، وقال قتادة : (لا تقل : سمعت ورأيت ، ولم تر ولم تسمع ، وعلمت ولم تعلم) (٣).
والقفو في اللغة : اتّباع الأمر كأنه يتبع الأثر ، ومنه القيافة ، كانت العرب يتّبعون فيها أثر الآباء ، ويقول : قفوت الشيء أقفوه ؛ إذا اتّبعت أثره ، والمعنى على هذا : لا تتبعنّ لسانك من القول ما ليس لك به علم.
__________________
(١) في جامع البيان : مج ٩ ج ١٥ ص ١٠٨ ؛ قال الطبري : (وفيه لغتان : القسطاس ، بكسر القاف ، والقسطاس بضمها ، مثل القرطاس والقرطاس ، وبالكسر يقرأ عامة أهل الكوفة ، وبالضم يقرأ عامة أهل المدينة والبصرة ، وقد قرأ به أيضا بعض قرّاء الكوفيين ، وبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب ؛ لأنهما لغتان مشهورتان).
(٢) أي العاقبة والصواب ، وما يؤول إليه الأمر ، ونصب على التفسير كقوله تعالى : (خَيْرٌ مَرَدًّا) وقوله تعالى : (وَخَيْرٌ أَمَلاً).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٦٨٣٧).