قوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ ؛) يعني إنّ المرء مسؤول يوم القيامة عمّا يفعله بهذه الجوارح من الاستماع لما لا يحلّ ، والنظر الى ما لا يجوز ، والارادة لما يقبح. قوله تعالى : (كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٣٦) ؛ أي كلّ هذه الجوارح والأعضاء ، ولم يقل تلك ، قال الشاعر (١) :
ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى |
|
والعيش بعد أولئك الأيّام |
ويجوز أن يكون راجعا إلى أصحابها وأربابها.
قوله تعالى : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً ؛) أي بطرا وكبرا وخيلاء ، والمرح : شدّة الفرح ، (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ ؛) بقدميك وكبرك ، (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ ؛) بعظمتك ، (طُولاً) (٣٧) ؛ أي لا تطاول الجبال فاستقصر نفسك عند ما ترى من سعة الأرض وبسطها وعظم الجبال وطولها. من قرأ (مَرَحاً) بنصب الراء فهو المصدر ، ومن قرأ بكسر الراء فهو اسم الفاعل (٢).
قوله تعالى : (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) (٣٨) ؛ أي كلّ ما تقدّم من قوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) إلى هذا الموضع كان سيّئة لا حسنة فيه ، وهذا على قراءة من قرأ (سيّئة) بالنصب ، وقرأ ابن عامر والكوفيّون (سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ) على الإضافة بمعنى : هذا الذي ذكرته من قوله تعالى (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) إلى هذه الآية ذكر الحسن (٣) ، والسّيّء وقوله تعالى (مَكْرُوهاً) على
__________________
(١) الشاهد لجرير في ديوانه. ينظر : إعراب القرآن للنحاس : ج ٢ ص ٢٧٢ : الشاهد (٢٧٠).
(٢) في إعراب القرآن : ج ٢ ص ٢٧٢ ؛ قال ابن النحاس : (وحكى يعقوب القارئ مَرَحاً بكسر الراء على الحال. قال الأخفش : كسر الراء أجود ؛ لأنه اسم الفاعل). وفي معاني القرآن : ج ٢ ص ٦١٢ ـ ٦١٣ ؛ قال الأخفش : (والمكسورة أحسنهما). وفي الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ٢٦١ ؛ قال القرطبي : (قراءة الجمهور بفتح الراء. وقراءة فرقة فيما حكى يعقوب بكسر الراء على بناء اسم الفاعل. والأول أبلغ).
(٣) القراءة (سَيِّئُهُ) بضم الهمزة والهاء والتذكير ، وترك التنوين تشير إلى جميع ما تقدم في الآية ، ومن الحسن والسيء ، فأضاف السيء إلى ضمير ما تقدم ، وتعضدها القراءة (كلّ أولئك كان سيّئاته) بالجمع ، مضافا للضمير وقراءة أبي (خبيثه). والمعنى أن كل ما تقدم ذكره مما أمرتم به ونهيتم عنه كان سيّئه وهو ما نهيتم عنه خاصة أمرا مكروها.