قوله تعالى : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها ؛) أي إذا أردنا الحكم بهلاك قرية ، (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) جبابرتها ورؤساءها بالطاعة فعملوا بالمعاصي ، وهذا كما يقال للرجل : أمرتك فعصيتني ، يعني أمرتك لتطيعني فخالفتني.
وإنما ذكر الرؤساء دون المتبوعين ؛ لأن غيرهم تبع لهم ، فيكون الأمر لهم بالطاعة أمر للأتباع. وقرأ مجاهد وأبو رجاء (أمّرنا) بالتشديد ؛ أي جعلنا لهم إمرة وسلطانا. وقوله تعالى : (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ ؛) أي وجب عليها القول بالعذاب ، (فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) (١٦) ؛ أي أهلكناها هلاكا.
قوله تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ ؛) أي أهلكنا قرونا كثيرة بعد نوح ، قال ابن عباس : (القرن مائة وعشرون سنة) (١) ، وقال المازنيّ : (مائة سنة) (٢) ، وقوله تعالى : (وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (١٧) ظاهر المعنى.
قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ؛) أي من كان همّه مقصورا على طلب الدّنيا دون الآخرة ، نحو أن يكون يريد بالجهاد الغنيمة وبعمله الذي فرضه الله عليه في الدّنيا ويغنمها خاصّة ، عجّلنا له في الدّنيا ما نشاء من عرض الدّنيا لا ما يشاء العبد ، ولمن يريد أن يعطيه لا لكلّ من يطلب ، فأدخل الله تعالى في إعطاء المراد من العاجلة استثناء من استثناء في العطيّة ، واستثناء في المعطين ؛ لئلّا يثق الطالبون للدّنيا بأنّهم لا محالة سينالون بسعيهم ما يريدون.
قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ ؛) أي بهذا الذي لم يرد الله بعمله ، (يَصْلاها ؛) أي يدخلها ، (مَذْمُوماً ؛) بذمّ نفسه ويذمّه الناس ، (مَدْحُوراً) (١٨) ؛ أي مطرودا مبعدا من كلّ خير.
قوله تعالى : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ ؛) شرط الله تعالى في ذلك ثلاثة شرائط : أحدها : أن يريد بعمله ثواب الآخرة بالإخلاص في النيّة.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٦٧٣٧) عن ابن أبي أوفى.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٦٧٣٨).