الكتاب الذي يؤتى ، وقرأ الباقون بالتخفيف ؛ أي يراه منشورة فيه حسناته وسيئاته.
قال ابن عباس : (يعطى المؤمن كتابا بيمينه وهي صحيفته ، يقرأ فيها حسناته وسيّئاته في بطنها : عملت كذا ، وقلت كذا في سنة كذا ، في شهر كذا ، في يوم كذا ، في ساعة كذا ، في مكان كذا. فإذا انتهى إلى أسفلها قيل له : قد غفر الله لك ، إقرأ ما في ظاهرها ، فيقرأ حسناته فيسرّه ما يرى فيها ، ويشرق لونه عند ذلك (فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ، إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ)(١)).
قال : (ويعطى الكافر كتابه بشماله ، فيقرأ حسناته في باطنها ، فيجد عملت كذا في سنة كذا ، في شهر كذا ، في يوم كذا ، في ساعة كذا. فإذا انتهى إلى آخرها قيل له : هذه حسناتك قد ردّت عليك ، إقرأ ما في ظاهر كتابك ، فيرى ما في ظاهر كتابه كلّ سيّئاته ، كلّ صغيرة وكبيرة ، فيسودّ وجهه وتزرقّ عيناه ، ويقول عند ذلك (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ ، وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ)(٢)).
قوله تعالى : (اقْرَأْ كِتابَكَ ؛) أي يقال له : (اقْرَأْ كِتابَكَ) ، قال الحسن : (يقرؤه أمّيّا كان أو غير أمّيّ) ، وقال قتادة : (يقرؤه يومئذ من لم يكن قارئا) (٣). قوله تعالى : (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (١٤) ؛ أي محاسبا ، وإنما جعل محاسبا لنفسه ؛ لأنه إذا رأى أعماله كلّها مكتوبة ، ورأى خير أعماله مكتوبا لم ينقص من ثوابه شيء ، ولم يزد على عقابه شيء كفاه ذلك في الحساب ، وكان الحسن يقول : (يا ابن آدم لقد عدل عليك من جعلك لنفسك حسيبا).
قوله تعالى : (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ؛) أي منفعة هدايته راجعة إليه ، (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها ؛) أي ومن ضلّ في الدّنيا ، فإنّ وبال ضلاله راجع إليه ، (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ؛) أي لا يحمل أحد حمل غيره ، فلا يؤخذ بذنب غيره ، (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٥) ؛ إقامة للحجّة ، وقطعا للعذر.
__________________
(١) الحاقة / ١٩ و ٢٠.
(٢) الحاقة / ٢٥ و ٢٦.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٦٧١٩).