والثاني : أن يسعى في العمل الذي يستحقّ به ثواب الآخرة. والثالث : أن يكون مؤمنا ؛ لأنه إذا كان كافرا لا ينتفع بشيء من عمله.
قوله تعالى : (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (١٩) ؛ أي تضعّف لهم الحسنات ، وتمحى عنهم السّيئات ، وترفع لهم الدرجات ، وقال مجاهد : (شكره أن يثيبهم على طاعتهم له ، ويعفو عن سيّئاتهم).
قوله تعالى : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ ؛) أي كلّ واحد من الفريقين ممن يريد الدنيا ، وممن يريد الآخرة نمدّه من رزق ربك ، (وَما كانَ عَطاءُ ؛) رزق ، (رَبِّكَ مَحْظُوراً) (٢٠) ؛ أي محبوسا من البرّ والفاجر. وفي هذا بيان أنّ نعم الدنيا مشتركة بينهم ، بخلاف نعم الآخرة التي هي خاصّة للمتّقين ، ألا ترى أن سائر نعم الله من الشّمس والقمر ؛ والهواء والماء ؛ والنبات والحيوانات ؛ والأغذية والأدوية ؛ وصحّة الجسم والعافية ؛ وغير ذلك شاملة للمؤمن والكافر.
قوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ؛) أي انظر يا محمّد كيف فضّلنا بعضهم على بعض في الرّزق في الدّنيا بالمال والخدم ، منهم المقلّ ومنهم المكثر ، هذا في الدّنيا ، (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) (٢١) ؛ أي ولدرجات الآخرة أكبر من درجات الدّنيا ، وفضائل الآخرة وثوابها أرفع مما فضّلوا في الدنيا ، فينبغي أن يكون سعيهم للآخرة أكثر.
قوله تعالى : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ؛) قيل : إنّ الخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والمراد به كافّة المكلّفين كما في قوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)(١). وقيل : هو خطاب للإنسان ، كأنّه قال : لا تجعل أيّها الإنسان مع من له العطايا عاجلا وآجلا إلها آخر ، (فَتَقْعُدَ ؛) فتبقى في جهنم ، (مَذْمُوماً مَخْذُولاً) (٢٢) ؛ لا ناصر لك.
قوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ؛) برّا بهما وعطفا عليهما ، وقوله تعالى : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ
__________________
(١) الزمر / ٦٥.