ولحق بالمشركين وقال : أنا أعلمكم بمحمّد ، فلقد كان يملي عليّ فأغيره وأكتب كما شئت (١).
قوله عزوجل : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ؛) أي لو رأيت الظالمين (فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) لرأيت لهم عذابا عظيما. والظالمون هم الكافرون ، وقيل : المنافقون رآهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم بدر في صفوف المشركين ، وقد نرى مسلمين بمكّة فأخرجهم أهل مكة معهم كرها ، فلما رأوا قلّة المؤمنين رجعوا إلى الشّرك ، فقالوا : غرّ هؤلاء دينهم ، عنوا به المؤمنين ، وقاتلوا مع المشركين فقتلوا جميعا عامّتهم.
قوله تعالى : (فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) أي في سكراته ونزعاته وشدائده ، وقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) معناه : أنّ ملك الموت وأعوانه من ملائكة العذاب يبسطون أيديهم عليهم بالعذاب ويقولون لهم : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) أي خلّصوا أنفسكم ، ولستم تقدرون على خلاص. وقيل : معناه فارقوا أرواحكم الخبيثة ، كما يقول : لأحرقنّك بالعذاب ، لأخرجنّ نفسك (٢).
قوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ ؛) أي يقال لهم يوم قبض الرّوح ، وقيل : يوم القيامة حين معاينة العذاب : اليوم تجزون العذاب الشّديد الذي تهانون فيه ، (بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ ،) بكذبكم ، (عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (٩٣) ، وبما كنتم تتعظّمون عن الإيمان بمحمّد صلىاللهعليهوسلم والقرآن.
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٣ ص ٣١٧ ؛ قال السيوطي : ((أخرجه ابن أبي حاتم)).
(٢) في المخطوط : (فارقوا أزواجكم الخبيثة ؛ كما يقول : ولا لأحرقن الذي يعذبه) وهو تصحيف من الناسخ ، ولا يستقيم المعنى المراد ؛ إذ المعنى : أخرجوا أرواحكم من أجسادكم ؛ وهم عاجزون ، فالخطاب بمنزلة قول القائل : ((لمن يعذّبه : لأذيقنّك العذاب ولأخرجنّ نفسك)) وذلك لأنهم لا يخرجون أنفسهم ، بل يقبضها ملك الموت وأعوانه. فهي عبارة عن العنف والتشديد في إزهاق الروح من غير تنفيس وإمهال كما يفعل الغريم الملازم الملحّ ؛ ويقول : أخرج لي ما عليك الساعة ، ولا أبرح من مكاني حتى أنزعه من أحداقك. ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ٧ ص ٤٢. واللباب في علوم الكتاب : ج ٨ ص ٢٩٠.