علمتم بالقرآن ما كنتم أخفيتموه قبل نزول القرآن ؛ لأنّهم قد ضيّعوا شيئا كثيرا من القرآن والأحكام ، وكانوا يعاندون ولا يعملون حتى صاروا كأنّهم لم يعلموه.
قوله تعالى : (قُلِ اللهُ ؛) معناه : إن هم أجابوك وقالوا : أعلمنا الله ، وإلا فقل : الله علّمكم. ويقال معناه : قل الله أنزل الكتاب على موسى ، (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) (٩١) ؛ أي دعهم واتركهم في باطلهم يلهون ، ويقال لكلّ من عمل ما لا ينفعه : إنّما أنت لاعب.
قال ابن عبّاس : (فلمّا رجع مالك بن الصّيف من عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى قومه ، قالوا له : ويلك! ما هذا الّذي بلغنا عنك ، زعمت أنّه ما أنزل الله على بشر من شيء! أرأيت كتابنا من جاء به إلى موسى وهو بشر؟! قال : إنّه قد أغضبني ، فلذلك قلت ما قلت. قالوا : إذا غضبت قلت غير الحقّ ، والله لا تلي لنا شيئا ، فنزعوه عمّا كان يلي لهم ، وولّوا مكانه كعب بن الأشرف) (١). قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء فيها على الإخبار ، وقرأ الباقون بالتّاء على الخطاب.
قوله عزوجل : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ ؛) يعني القرآن الذي كذب به أهل الكتاب ومشركو قريش ؛ هو (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) أي فيه بركة ومغفرة للذنوب لمن آمن به ، والبركة : ثبوت الخير على النّماء والزيادة. وقوله تعالى : (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ؛) هو موافق للتوراة والإنجيل وسائر كتب الله في أصل الدّين ، ويقال : المراد ب (الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) النشأة الثانية.
قوله تعالى : (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها ؛) أي أنزلناه للبركة ، ولتخوّف به أهل أمّ القرى ، وسميت مكة أمّ القرى لأنّها أصل القرى دحيت الأرض من تحتها ، ويقال : لأنّها أعظم القرى شأنا ، وقيل : لأنّها قبلة تأمّها الناس بالصلوات إليها.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ ؛) أي الذين يقرّون ويصدّقون بالبعث يؤمنون بالقرآن ، وفي هذا بيان أنّ الإيمان بالحساب والجزاء يقتضي
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٣ ص ٣١٤ ؛ قال السيوطي : ((أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد)).