[أنشدك الله يا مالك بالّذي أنزل التّوراة على موسى عليهالسلام ؛ أتجد فيها أنّ الله يبغض الحبر السّمين؟] قال : نعم. قال : [فأنت الحبر السّمين ، وقد سمّنتك مأكلتك الّتي تطعمك اليهود ، ولست تصوم ـ أي ولست تمسك ـ] فضحك به بعض القوم ، فغضب مالك ، وكان حبرا سمينا ، ثمّ التفت إلى عمر رضي الله عنه وقال : ما أنزل الله على بشر من شيء. فأنزل الله هذه الآية) (١).
وقال السّدّيّ : (نزلت في فنحاص بن زوراء ؛ وهو قائل هذه المقالة). وقال محمد بن كعب : (جاء ناس من اليهود إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ وهو محتب (٢) ، فقالوا : يا أبا القاسم ، ألا تأتينا بكتاب من عند الله ، كما جاء به موسى من عند الله؟ فأنزل الله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ)(٣). فقال رجل من اليهود : ما أنزل الله عليك ، ولا على موسى ، ولا على عيسى ، ولا على أحد شيئا. فأنزل الله هذه الآية) (٤).
ومعناها : ما عظّموا الله حقّ عظمته ، ولا عرفوه حقّ معرفته إذ جحدوا فقالوا : ما أنزل الله على بشر من شيء ؛ أي من كتاب ولا وحي ، (قُلْ) ؛ لهم يا محمّد : (مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى) ؛ يعني التوراة ؛ (نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ) ؛ أي ضياء للناس وبيانا لهم من الضّلالة ، (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ) ؛ يكتبونه صحائف ، (تُبْدُونَها) ؛ يظهرون ما فيها مما ليس فيه صفة النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وزمانه ومبعثه ونبوّته ، (وَتُخْفُونَ كَثِيراً ؛) أي يسترون ما فيه صفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم وبعثه وآية الرّجم.
وقوله تعالى : (وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ) ؛ يحتمل أن يكون خطابا للمسلمين ، أي علّمتم أنتم أيّها المؤمنون من الأحكام والحدود ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم. والأظهر : أنه خطاب لليهود ؛ لأنه مسوق على ما سبق ، معناه :
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٠٥٤٤).
(٢) الحبوة والحبوة ـ بالضم ـ لغتان : ضمّ الساق إلى البطن بثوب.
(٣) النساء / ١٥٣.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٠٥٤٧).