قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ؛) أي أولئك الأنبياء صلوات الله عليهم أعطيناهم الكتاب المنزّل ، والحكم بين الناس ، وأكرمناهم بالنبوّة والرسالة ، (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها) أي بملّة هؤلاء الأنبياء ، (هؤُلاءِ ؛) يعني قريشا ؛ (فَقَدْ وَكَّلْنا بِها ؛) أي فقد قام بها ، (قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) (٨٩) وهم أهل المدينة وأتباع النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
وقيل : هم الملائكة ، وإنّما قال : (فَقَدْ وَكَّلْنا بِها) ولم يقل : فقد قام بها ، تشريفا للملائكة بالإضافة إلى نفسه على معنى : أكرمنا ووفّقنا إلى الإيمان بها. يقال : معناه : فقد أكرمنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ؛ فقاموا بها.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ؛) أي أولئك الأنبياء الذين ذكرناهم من قبل هم الذين أكرمهم الله بالطريقة الحسنة ؛ فاقتد بسيرتهم ؛ واصبر كما صبروا حتى تستحقّ من الثواب ما استحقّوا. وأما الهاء في قوله تعالى : (اقْتَدِهْ) فإذا أثبتّ الهاء في الوقف تتبين بها كسرة (١) الدال (٢) ، فإن وصلت قلت : (اقتد قل لا أسألكم) (٣).
قوله : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ؛) معناه : قل يا محمّد : لا أسألكم على الإيمان والقرآن جعلا ، (إِنْ هُوَ ؛) يعني القرآن ، (إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) (٩٠) ؛ إلا عظّة بليغة للجنّ والإنس. وفي الآية دليل على أن شرائع الأنبياء تلزمنا ما لم نعلم نسخه ؛ لأن اسم الهدى يقع على التوحيد والشّرائع.
قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ؛) قال ابن عبّاس وسعيد بن جبير في معنى هذه الآية : (جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقال له مالك بن الصّيف ، وكان رأس اليهود ؛ فقال له النّبيّ صلىاللهعليهوسلم :
__________________
(١) في المخطوط : (كثرة) بدل (كسرة).
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٧ ص ٣٦ ؛ قال القرطبي : (لأن الهاء لبيان الحركة في الوقف وليست بهاء إضمار ولا بعدها واو ولا ياء). نقله عن النحاس.
(٣) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٧ ص ٣٦ ؛ قال القرطبي : (لأنه إن وصل بالهاء لحن ، وإن حذفها خالف السواد) وعليه أوجب الوقف ، وفي القراءة أفهام.