قوله تعالى : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ ؛) أي لا أخاف من هذه الأشياء التي تعبدونها وهي ممّا لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضرّ. قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً ؛) استثناء منقطع ؛ أي ولكن أخاف مشيئة ربي أن يعذّبني ببعض ذنوبي أو يبلوني بشيء من محن الدّنيا. وموضع (أَنْ يَشاءَ) نصب على تقدير : لا أخاف إلا مشيئة الله تعالى.
قوله تعالى : (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ؛) أي أحاط علم ربي بكلّ شيء ، وملأ كلّ شيء علما ، وهو يعلم أنّكم على غير الحقّ ، وقوله تعالى : (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (٨٠) ؛ تنبيه على التّفكّر فيما كان بقوله لهم.
قوله عزوجل : (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ ؛) وكيف أخاف الأصنام التي أشركتموها مع الله ، وهي لا تملك الضّرّ والنفع ، بل لا تعرف من عبدها ومن ترك عبادتها ، (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ؛) الذي يملك النفع والضرّ ويعلم من عبده ومن لم يعبده ، (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً ؛) أي عذرا وحجّة لكم ؛ (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ؛) أي الموحّدون أم المشركون ، (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٨١) ، ذلك.
فلم يجيبوا ، فأنزل الله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ ؛) أي الذين أقرّوا بتوحيد الله ولم يخلطوا إيمانهم بشرك ، (أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ؛) من العذاب ؛ (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٨٢) ؛ إلى الحجّة ، وقيل : إلى الجنّة. وقيل : إنّ قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) قول إبراهيم عليهالسلام.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : (لمّا نزلت هذه الآية ؛ شقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقالوا : وأيّنا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : [إنّه ليس كذلك ، ألا تسمعون إلى قول لقمان : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(١)؟](٢).
__________________
(١) لقمان / ١٣.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٠٥٠٤) بأسانيد. والبخاري في الصحيح : كتاب الإيمان وأحاديث الأنبياء. ومسلم والترمذي.