وأما ما كان من أمر زليخا فإنه لما مات العزيز وبقيت أرملة ، قالت : أنا من يوسف على رجاء ، وأمري كلّ يوم إلى نقص ؛ وذلك بمعصيتي لآله يوسف ، فكيف لا أقوم إلى هذا الصّنم المشؤوم فأجعله جذاذا ، وألحق بيوسف وأسلم على يده؟ لعلّ إلهه يرحمني ويقضي حاجتي ، فقامت وكسرت صنمها وجاءت إلى طريق يوسف ، فوقفت له في يوم ركوبه فأقبل مع الأعلام والرايات مكتوبات عليها : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.)
فلمّا صار يوسف بحذاء زليخا نادت : سبحان من يعلي العبيد ويجعلهم ملوكا بطاعته ، ويذلّ الموالي ويجعلهم عبيدا بمعصيته. فسمع ذلك يوسف فقال : عليّ بصاحبة هذا الكلام ، فأتي بها إليه فقال : من أنت؟ قالت : زليخا أما تعرفني؟! قال : لا ، قالت : قد أنكرتني؟ قال : أشدّ الإنكار ، قالت : أنا الذي راودتك عن نفسك فاستعصمت بإله السّماء ، فرفعك ووضعني ؛ وأعزّك وأذلّني ؛ وأغناك وأفقرني ، فعلمت أني في باطل وغرور ، فكسرت صنمي وجئتك طائعة مؤمنة أقول : لا إله إلّا الله ، ليرحمني ، فوقعت رحمتها في قلبه ، فقال : سلي حاجتك ، قالت : أتفعل؟ قال : نعم ، قالت : لي ثلاث حوائج يا يوسف قد ذهب بصري فادع الله أن يردّ عليّ لأنظر إلى جمال وجهك ، فدعا الله فردّ عليها بصرها فأقبلت تنظر إلى يوسف ، ثم قالت : وادع الله أن يردّ علي حسني وجمالي ، فدعا الله فردّه عليها ذلك.
فلما نظر يوسف إليها نكّس رأسه وقال : أما تسألي الثالثة يا رأس الفتنة؟ قالت : تتزوّج بي حلالا؟ قال لها : قومي يا رأس الفتنة هذه حاجة ليس في نفسي قضاؤها ، قالت : أما أنا فلا أقنط من رحمة الله ، فنزل جبريل على يوسف وقال : إن الله يأمرك أن تتزوج بها ، فجعلت تحمد الله وتشكره فتزوّجها ، فلما دخل بها وجدها عذراء ، فولدت له ولدين ، وأقام يعقوب عند يوسف ثماني عشرة سنة ، ومات قبل يوسف بسنتين.
قوله تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ؛) أي ذلك الذي ذكرت لك يا محمّد من قصّة يوسف وإخوته من أخبار ما غاب علمه عنك نوحيه إليك. قوله : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ ؛) أي وما كنت عندهم إذ