القرى ، فخرج إليه رئيس أهل القرية فسجد له ، فقال : ما هذا؟! قال : شيء نصنعه للأمراء والخلفاء ، فقال : أسجد لربك الّذي خلقك).
ويقال في معنى هذا : إنّهم سجدوا شكرا لله على ما أنعم الله عليهم من اجتماعهم على أيسر الأحوال. ويجوز أن يكون معنى السجود الميلان والانحناء ، عن ابن عبّاس : (أنّ معناه : وخرّوا لله سجّدا) ، وقوله (له) كناية عن الله.
قوله تعالى : (وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ ؛) أي هذا السجود تصديق رؤياي التي رأيتها من قبل ، (قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) أي أحسن إليّ ، (إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ؛) هذا ثناء منه على الله تعالى بإنعامه عليه ؛ إذ خلّصه ونجّاه من العبوديّة ، (وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ ،) وجاء بأبيه وإخوته من البادية إليه. قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ؛) بالحسد ، (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ ؛) أي لطيف في تدبير عباده وبلطفه جمع بيننا على أحسن الأحوال ، (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ ؛) بمصالح عباده ، (الْحَكِيمُ) (١٠٠) في تدبيرهم.
واختلفوا في المدّة التي كانت بين رؤيا يوسف وبين تصديقها ، قال سلمان رضي الله عنه : (أربعون سنة) (١) ، وقال ابن عبّاس : (اثنان وعشرون سنة).
قوله تعالى : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ؛) يعني ملك مصر أربعين فرسخا في أربعين فرسخا ، (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ؛) أي تعبير الرّؤيا وتأويل كتب الدين.
قوله تعالى : (فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ؛) نصب على النداء ؛ أي يا فاطر السماء والأرض منشئهما على غير مثال ، (أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ؛) أي تتولّى حفظي وصيانتي ، (تَوَفَّنِي مُسْلِماً ؛) أي ألطف بي لطفا أثبت به على الإيمان إلى أن يلحقني الموت ، (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (١٠١) ؛ يعني يلحقه بآبائه.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٥١٧٣ و ١٥١٧٥) بأسانيد عن سلمان الفارسي.