آزر ، فدعاه وأمره لحاجته إلى المدينة ، وقال له : إنّك ثقتي ؛ فأقسمت إليك أن لا تدنو من امرأتك ولا تواقعها ، ثمّ أوصاه بحاجته. فلمّا دخل المدينة وقضى حاجته ، قال : لو دخلت على أهلي فرأيت كيف حالهم ، فلمّا نظر إلى امرأته لم يتمالك حتّى وقع عليها ، وكانت قد طهرت من الحيض ، فحملت بإبراهيم عليهالسلام ، فلمّا حملت به ؛ قالت الكهنة للنّمرود : إنّ الغلام الّذي أخبرناك به قد حملت به أمّه اللّيلة ، فأمر النّمرود بذبح كلّ ولد من الغلمان.
فلمّا دنت ولادة أمّ إبراهيم وأخذها المخاض ، خرجت هاربة مخافة أن يطّلع عليها فيقتل ولدها ، فوضعته في موضع ، ثمّ لفّته في خرقة وجعلته في الحلفاء ، ثمّ رجعت إلى زوجها فأعلمته ، فانطلق أبوه إليه وحفر له سربا في ذلك المكان وجعله فيه ، وسدّ عليه بصخرة مخافة أن تأكله السّباع ، وكانت أمّه تختلف إليه سرّا فترضعه ، وكان إذا بكى على أمّه أتاه جبريل عليهالسلام فوضع إصبعه في فمه فيخرج منها اللّبن ، فكان يمصّ سبّابة نفسه) (١).
وقال أبو روق : (كانت أمّ إبراهيم كلّما جاءته لتنظر إليه وجدته يمصّ أصابعه ، وقالت : ذات يوم نظرت إلى أصابعه ، فوجدته يمصّ من إصبع ماء ؛ ومن إصبع لبنا ؛ ومن إصبع عسلا ؛ ومن إصبع سمنا).
وقال بعضهم : لمّا وضعت أمّ إبراهيم حملها ، ذهبت به وحفرت له حفرة وألقته فيها وسدّتها عليه بصخرة ، ورجعت فسألها أبوه آزر : ما فعل حملك؟ قالت : وضعت غلاما فمات ، فصدّقها وسكت عنها. وكان إبراهيم يشبّ في اليوم مثل ما يشبّ غيره في الشهر ، ويشبّ في الشهر ما يشبّ غيره في السنة ، فلم يمكث إبراهيم في المغارة إلا خمسة عشر يوما ، ثم أخبرت أمّه أزر بخبره وما صنعت به ، فلمّا شبّ إبراهيم في المغارة وعقل وتكلّم ، أتته أمّه ذات يوم فقال لها : من ربي؟ قالت : أنا! قال : ومن ربّك؟ قالت : أبوك! قال : ومن ربّ أبي؟ قالت : النمرود! قال : ومن ربّ النمرود؟ قالت : اسكت! فسكت) (٢).
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٣ ص ٣٠٤ ؛ قال السيوطي : ((أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي وذكره)).
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٧ ص ٢٤ ؛ قال القرطبي : ((والقصص في هذا تامّ في (قصص