قال : فإنّي أدسّ صاعي هذا في رحلك ، ثم أنادي عليك بالسّرقة ليتهيّأ لي حبسك معي ، (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ ،) أي فلما رحلت إخوة يوسف نادى مناد : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) (٧٠) ؛ وكان النداء على ظنّ من هؤلاء الموكّلين بالصاع أنّهم كذلك.
ولم يكن هذا النداء بأمر يوسف ولا يعلمه ؛ لأن الأنبياء عليهمالسلام لا يأمرون بالكذب ، ومن قال : إنّ هذا النداء كان بأمر يوسف ، فيحتمل أن يكون معناه : إنّكم لسارقون يوسف على أبيه حين غيّبتموه عنه. والعير اسم لقافلة الحمير دون قافلة الإبل ، ثم كثر استعماله في كلّ قافلة.
قوله تعالى : (قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ) (٧١) ؛ أي قالت إخوة يوسف وأقبلوا على المنادي وأصحابه : ماذا تطلبون أتنسبونا إلى السّرقة ، (قالُوا نَفْقِدُ ؛) أي نطلب ، (صُواعَ الْمَلِكِ ؛) والصّواع والصّاع واحد وهو السّقاية ، قوله تعالى : (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ؛) من الطّعام ، (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) (٧٢) ؛ أي كفيل ، قال هذا القول المؤذّن ، وقال لهم أيضا : إنّ الملك قد اتّهمني ، وأخاف عقوبته وسقوط منزلتي عنده إن لم أجد الصّاع.
قوله تعالى : (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ ؛) أي حلفوا بالله وقالوا : لقد علمتم ما جئنا لنفسد في أرض مصر بالسّرقة من الناس ، (وَما كُنَّا سارِقِينَ) (٧٣) ؛ ما تظنّونه.
قوله تعالى : (قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ) (٧٤) ؛ أي ما جزاء من سرق إن كنتم كاذبين ، (قالُوا جَزاؤُهُ) السارق ، (مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ) أخذ عبدا لسرقته ، (فَهُوَ جَزاؤُهُ) استرقاقه ، (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (٧٥) أي هكذا جزاء السّارقين في أرضنا وهي سنّة يعقوب عليهالسلام ، حكموا على أنفسهم بما كان يطلب يوسف من احتباس أخيه.
قوله تعالى : (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ،) أي فبدأ يوسف بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه ، (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ ؛) فلمّا فتّش وعاء أخيه وجد الصّاع ، فلما رأى إخوة يوسف ذلك ، تحيّروا ونكّسوا رؤوسهم ، وقالوا