لبنيامين : يا ابن المشؤومة وأخو المشؤوم! ما الذي حملك على أن تسرق صواع الملك فتفضحنا وتزري بأبيك يعقوب ، فجعل يحلف بالله ما سرقته ولا علم لي بمن وضعه.
فلم يقبلوا منه وقالوا له : فمن وضعه في متاعك؟ قال : الذي وضع بضاعتكم في رحالكم في المرّة الأولى ، فقالوا فيما بينهم : لعلّ هذا الملك يريد بنا أمرا ، فبينما هم في الخصومة إذ أقبل فتى يوسف فأخذ برقبة بنيامين وذهب به إليه.
قوله تعالى : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) كذلك صنعنا ليوسف حتى أخذ أخاه ، وفي هذا دليل على أنّ يوسف كان مأذونا له من جهة الله في هذه الحيلة ليضاعف الثواب ليعقوب على فقدهما.
قوله تعالى : (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ؛) أي ما كان ليأخذ أخاه في قضاء الملك ، لأن من حكم الملك في السّارق أن يضرب ويغرم ضعفي ما سرق ، فلم يكن يوسف يتمكّن من حبس أخيه عنده في حكم الملك لو لا ما كاد الله له تلطّفا حتى وجد السبيل في ذلك ، وهو ما جرى عليه ألسنة إخوته أنّ جزاء السارق الاسترقاق ، فأمروا به وكان ذلك مراده ، وهو معنى قوله (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) وكان ذلك بمشيئة الله. قوله تعالى : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ ؛) أي في العلم كما رفعنا درجة يوسف ، (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (٧٦) ؛ أي فوق كلّ عالم عالم حتى ينتهي العلم إلى الله.
قوله تعالى : (قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ ؛) لأبيه وأمّه ، (مِنْ قَبْلُ ؛) أي قال إخوة يوسف : إن يسرق بنيامين سقاية الملك (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) يعنون يوسف ، وذلك أنّ عمّة يوسف كانت تحبّه وهو صغير ، وكان يعقوب لا يتركه عندها ، فاحتالت وجاءت بمنطقة أبيها إسحق فشدّتها على وسط يوسف تحت القميص ، ثم قالت : فقد سرق منطقة أبي فأنا آخذه بذلك. فهي التي أراد إخوته بإضافتهم السرقة إليه.
وعن مجاهد : (أنّ يوسف جاءه سائل يوما ، فسرق بيضة من البيت فناوله إيّاها ، فعيّروه بذلك). وقيل : كان يخبئ الطعام من المائدة للفقراء ، وقيل : جاء سائل ولم يكن في المنزل معه أحد ، فأعطاه جديا من غير أمر أبيه فهذه سرقته.