لذو يقين ومعرفة بالله وبأمر الدّين لتعليمنا إياه أن لا يصيب أحدا شيء إلا بقضاء الله ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٦٨) ؛ ذلك.
قوله تعالى : (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ ؛) أي ضمّ أخاه بنيامين إلى نفسه ، وقيل : أذن له بالدّخول عليه ، وجلس إخوته بالباب ، فلما دخل عليه قال : ما اسمك؟ قال : بنيامين ، قال : ما اسم أمّك؟ قال : راحيل ، قال : فهل لك والد؟ قال : نعم ، قال : هل لك إخوة من أبيك؟ قال : عشرة ، فقال : هل لك أخ من أمّك؟ قال : كان لي أخ من أمّي هلك ، قال : أحبّ أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ فقال : أيّها الملك ومن يجد أخا مثلك؟ لكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل. فخنقت يوسف العبرة ، فبكى ثم وثب إليه فاعتنقه ، و (قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ ؛) وبكى كلّ واحد منهما ، ثم أعلمه يوسف أنه سيحتال في إحباسه عنده ، ثم أذن لإخوته بعد ذلك في الدّخول عليه.
قوله تعالى : (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٦٩) ؛ أي لا تحزن بما كانوا يعملون بي وبك من حسدنا ، وصرف وجه أبينا عنّا. فقد جمع الله بيني وبينك ، وأرجو أن يجمع الله بيننا وبين يعقوب ، ثم أوفى يوسف لإخوته الكيل.
قوله تعالى : (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ؛) أي فلمّا كال لهم ، أمر أصحابه المختصّين به أن يجعلوا الصاع في رحل أخيه بنيامين ، وسمّي الصاع سقاية ؛ لأنه كان قبل ذلك مما يستقي به الملك الخمر وكان من ذهب. وقال ابن عبّاس : (كان قدحا من زبرجد). وقيل : كان من فضّة مموّه بالذهب ، وكان الشّرب في مثل ذلك الإناء جائزا في شريعتهم ، فلما كان في أيّام القحط أمر الملك أن يكال به الطعام للناس.
قيل : فلمّا قال يوسف لبنيامين : إنّي أنا أخوك ، قال له : فإنّي لا أفارقك أبدا ، قال يوسف : قد علمت اغتمام والدي لي ، فأخاف إن حبستك معي ازداد غمّه ، ثم لا يمكنني حبسك إلّا بأن أشهّرك بأمر فظيع ، قال : لا أبالي فافعل ما شئت.