وكلّموه بالعبرانية ، وعليه ثياب حرير وطوق ذهب ، وهو جالس على سرير ملكه ، (فَعَرَفَهُمْ ؛) أنّهم إخوته ، (وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (٥٨) ، وكانوا لا يعرفونه لطول العهد ؛ لأنّهم كانوا رأوه صغيرا ، ولم يظنّوا أنه يصير ملكا ، فأمارهم وأحسن إليهم ، وفاوضهم في الحديث حتى حدّثوه بحديث أبيهم ، وقالوا : إنّ لنا أبا شيخا كبيرا وكنا اثني عشر ، فهلك واحد منّا في الغنم ووجدنا قميصه وعليه دم فأتينا به أبانا ، وله أخ وهو آثر إلى أبينا منّا.
قوله تعالى : (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ؛) لهم : (ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ ؛) أي لمّا أعطاهم الميرة وكال لهم كيلهم ، قال لهم : (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ ؛) أعطي الناس حقوقهم على التمام ، (وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) (٥٩) ؛ للأمور منازلها ، (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ) (٦٠) ؛ مرّة أخرى.
قوله : (قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ ؛) أي قالوا : سنطلبه من أبيه ، (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) (٦١) ، أن سنجيء به ، وخاف يوسف أن لا يكون عند أبيهم من الرّزق ما يرجعون به إليه مرّة أخرى.
فأمر أن يجعل دراهمهم في أوعيتهم من غير علم لهم ، فذلك قوله تعالى : (وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ ؛) أي قال يوسف لخدّامه من مماليكه : اجعلوا دراهمهم ودنانيرهم التي جاؤا بها في رحالهم ، (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ ،) لكي يعرفوا هذه الكرامة منّي. ويقال : كي يعرفوا أنّها دراهمي ، (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٦٢) ، فيرجعوها فيردّوها عليّ.
قوله تعالى : (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ ؛) في المستقبل إن لم ترسل معنا بنيامين ، (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ ؛) لنا وله. ومن قرأ (يكتل) بالياء أي يكتل أخونا ، يأخذ لنفسه حملا ، (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٦٣) ؛ حتى نردّه عليك. (قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ ؛) يوسف ، (مِنْ قَبْلُ ؛) فضيّعتموه وغيّبتموه عني ، ولئن أرسلت معكم بنيامين ، (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً ،) أي فعلى الله أتوكّل ، فإنّ حفظ