لأن الأنبياء عليهمالسلام بعثوا لإقامة العدل ووضع الأشياء مواضعها ، فعلم يوسف أنه لا أحد أقوم بذلك منه.
قوله تعالى : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) أي حافظ للخزائن ، عالم بوضعها مواضعها ، وقيل : لجميع ألسن الغرباء الذين يأتونك ، فإنه كان يتكلّم بالعربيّ والعبراني والسرياني والقبطي.
وقيل عالم بساعات حاجات الناس ، وذلك أن أمر الخبّازين أن يجعلوا غداء الملك نصف النهار ، فمن ثمّ جعل الملوك غداءهم نصف النهار ، فلما كانت الليلة التي وقع فيها الجوع أوّل السنين الجدبة ، أمر الخبّازين أن يجعلوا غداءه مع عشائه ففعلوا ، فوقع الجوع في نصف الليل ، فهتف الملك : يا يوسف الجوع الجوع ، فقرّب إليه طعامه. وفي الآية دليل على أنه يجوز للإنسان أن يمدح نفسه بالأفضل عند من لا يعرفه ، وأنّ المراد بقوله تعالى : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ)(١) النهي من تزكية النفس للفخر والسّمعة.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ ؛) أي كما برّأنا ساحته وخلّصناه من الحبس ، كذلك مكّنا له في أرض مصر (يَتَبَوَّأُ مِنْها) أي ينزل بها حيث يشاء ، (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ.)
وروي أن الملك توّجه وأعطاه سيفه ووضع له سريرا من ذهب مكلّلا بالدّرّ والياقوت ، ثم أمر بأن يجلس عليه ، فجلس ولزم الملك بيته وفوّض إليه كلّ أموره ، وذلّت له سائر الملوك ، فلطف يوسف بالناس وأقام فيهم العدل وأخذ يدعوهم إلى الإسلام ، فأحبّه الناس كلهم وآمن كثير منهم.
قوله تعالى : (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٥٦) ؛ على إحسانهم. قوله تعالى : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا ؛) أي ولثواب الآخرة خير من ثواب الدّنيا للذين آمنوا بالله وكتبه ، (وَكانُوا يَتَّقُونَ) (٥٧) ، الكفر والفواحش.
قوله تعالى : (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ ؛) وهم عشرة ، جاؤا من بعد أبيهم في سنيّ القحط لطلب الطعام كما يجيء غيرهم ، فدخلوا عليه
__________________
(١) النجم / ٣٢.