لهما في هذه الآية ، إذ لا خلاف بين الفقهاء أن الأملاك والأيدي لا تستحقّ بالعلامات ، فإنّ العطّار والدباغ إذا اختلفا في عطر في أيديهما لم يكن العطار أولى به من الدّباغ ، وكذلك الاسكافيّ والصّيرفيّ إذا اختلفا في حذاء في يد الصيرفيّ لم يستحقّه الاسكافيّ ؛ لأن ذلك من صناعته.
وعن مجاهد : (أنّ امرأتين اختصمتا إلى شريح في ولد لهنّ ، فقال شريح : ألقوها مع هذه ، فإن هي ردّت وفرّت واستفزّت فهي لها ، وإن هربت وفرّت فليست لها) (١). وكان ذا القول من شريح على جهة ما يغلب في الظنّ ليميّز المبطل من المدعيين فنحكم عليه بالإقرار.
قوله تعالى : (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ ؛) قال ابن عبّاس : (هنّ أربع نسوة : امرأة ساقي الملك ، وامرأة خبّازه ، وامرأة صاحب سجنه ، وامرأة صاحب دوابه ، قلن في امرأة العزيز : إنّها تدعو عبدها إلى نفسها).
قوله تعالى : (قَدْ شَغَفَها حُبًّا ؛) قد خرق حبّه حجاب قلبها فلا يعقل غيره ، ويقال : قد أحبّته حتى دخل حبّه شغاف قلبها. والشّغاف : جلدة تشتمل على القلب ، يقال : شغفه إذا رماه فأصاب ذلك الموضع منه كما يقال كبده إذا أصاب كبده.
قوله تعالى : (حُبًّا) نصب على التمييز كأنّهنّ قلن : أصاب حبّه وسط قلبها وسويداء قلبها. وقرأ أبو رجاء والشعبي : بالعين المهملة ، ومعناه ذهب بها الحبّ كلّ مذهب ، مشتق من شعاف الجبال أي رؤوسها (٢). قوله عزوجل : (إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣٠) ؛ أي في الخطأ البيّن.
__________________
(١) هكذا النص في المخطوط ، وهو غير واضح ، ولم أقف عليه.
(٢) قال الرازي : (شعفه الحبّ يشعفه ، بفتح العين فيهما (شعفا) بفتحتين : أحرق قلبه ، وقيل : أمرضه. وقرأ الحسن : (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) قال : بطنها حبا). مختار الصحاح : ش ع ف : ص ٣٤٠. وفي الجامع لأحكام القرآن : ج ٩ ص ١٧٦ ؛ نقله القرطبي ؛ قال : (قال النحاس ...). وذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ٦٤٤.