مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً ؛) يعني الزّنى ، (إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ ؛) أن يودع في السجن ، أو ؛ يعذب ، (أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢٥) ؛ يعني الضّرب الوجيع.
فلمّا قالت المرأة ذلك ، لم يجد يوسف بدّا من تبرئة نفسه ، (قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ؛) أي طالبتني بمرادها من نفسي فأبيت وفررت منها ، فأدركتني وشقّت قميصي ، (وَشَهِدَ شاهِدٌ ،) وكان مع زوجها بالباب ، (مِنْ أَهْلِها ،) ابن عمّ لها حكيم ، فقال ابن عمّها : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ ؛) إن كان شقّ القميص من قدّامه ، (فَصَدَقَتْ ؛) فهي صادقة ، (وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٢٧) ، وإن كان من خلفه فهو صادق ، وقال الضحّاك : (كان الشّاهد صبيّا في المهد فأنطقه الله تعالى) (١). قيل : كان ذلك الصبيّ ابن خال المرأة.
قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ ؛) أي فلمّا رأى ابن عمّها قدّ القميص من خلف ، ويقال : فلمّا رأى زوجها ذلك ، (قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ ؛) أي قولها (ما جزاء من أراد بأهلك سوء) من مكركنّ ، (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (٢٨).
ثم قال ليوسف بعدما ظهرت براءته : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ؛) يعني أمسك ذكره حتى لا ينتشر في البلد وفي ما بين الناس ، ثم أقبل عليها وقال : (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) (٢٩) ؛ فإن الخطاب كان منك ألقيته على يوسف.
وقد احتجّ مالك والحسن بن حيّ (٢) في الحكم بالعلامة بهذه الآية : أنّ اللّقطة إذا ادّعاها مدّع ووصفها وجب على الملتقط أن يدفعها إليه على مذهبهما. ولا حجّة
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٤٦٣٠).
(٢) الحسن بن حيّ ؛ هو : ابن صالح بن صالح بن حي ، وهو : حيّان بن شفي بن هني بن رافع الهمداني الثوري. قال البخاري : (يقال : حي لقب). واختلف القول فيه ؛ قال عنه أحمد : (الحسن ابن صالح صحيح الرواية ، متفقه ، صائن لنفسه الحديث والورع) ، وقال يحيى بن معين : (ثقة ، مأمون ، مستقيم الحديث ، يكتب رأي مالك ، والأوزاعي ، والحسن بن صالح هؤلاء ثقات). ترجم له ابن حجر في تهذيب التهذيب : الرقم (١٣٠٧) : ج ٢ ص ٢٦٤ ـ ٢٦٨.