قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ ؛) معناه : وإنّ كلّا من الفريقين المصدّق والمكذّب يجتمعان يوم القيامة فيوفّيهم ربّك ، (أَعْمالَهُمْ ؛) على التمام ، (إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١١١) ؛ وبما يستحقّون من الجزاء خبير.
قرأ ابن كثير ونافع (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا) كلاهما بالتخفيف ، وقرأ أبو بكر عن عاصم (وإن) مخفّفة (لمّا) مشدّدة ، والباقون كلاهما بالتشديد ، فحجة أبو عمرو والكسائي أن اللام في قوله (لمّا) لام التأكيد دخلت في خبر إن ، واللام التي في (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) لام القسم ، تقديره : والله ليوفّينّهم ، دخلت (ما) للفصل بين اللّامين.
وأما حجة نافع وابن كثير في نصبه (كلا) ما قال سيبويه : إنّه سمع من العرب من يقول : إن عمرا لمنطلق ، فيخفّفون إن ويعملونها ، وأنشده الشاعر (١) :
ووجه حسن النّحر |
|
كأن ثدييه حقّان |
والمعنى على قراءة أبي عمرو (وإنّ كلا) من السعيد والشقيّ ليوفّينّهم ربّك أعمالهم ، و (ما) زائدة في قوله (لمّا) ، ومن خفّف (إن) كان معناه معنى المشدّدة ، تقول : إن زيدا لقائم ، وإنّ زيدا لقائم ، تريد إثبات قيامه ، فإذا قلت : إن زيد قائم ، فمعناه : ما زيد قائم ، ونظيره قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ)(٢) بتخفيف (لما) ، تقدير لعلّها حافظ ، ومن خفّف (إن) وشدّد (لمّا) فتأويله الجحد والتحقيق ؛ أي ما كلّ إلا ليوفينّهم ، ونصب (كلّا) على هذا التأويل ب (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) لا ب (أن).
قوله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ؛) أي استقم يا محمّد في التمسّك بطاعة الله تعالى كما أمرت وليستقم ، (وَمَنْ تابَ مَعَكَ ؛) من الشّرك ، (وَلا تَطْغَوْا ؛) بمجاوزة أوامر الله تعالى ، (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ ؛) من الخير والشرّ ، (بَصِيرٌ) (١١٢).
__________________
(١) في جامع البيان ؛ حكاه الطبري :
ووجه مشرق النّحر |
|
كأن تدييه حقّان |
(٢) الطارق / ٤.