قوله تعالى : (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) ؛ معناه : أو يخلطكم فرقا مختلفي الأهواء ، بأن يضرب بعضكم ببعض بما يلقيه بينكم من العداوة. وقيل : معنى : (يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) يكلكم إلى أنفسكم ويخليكم من الطاعة بذنوبكم ؛ فتختلفوا حتى يذوق بعضكم شدّة بعض بالحرب والقتال. وقال : (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) ؛ يعني بالسّيوف يقتل بعضكم بعضا.
وقوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) ؛ أي انظر يا محمّد كيف نبيّن لهم الآية على إثر آية ، (لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (٦٥) ؛ أي لكي يفقهوا أوامر الله ، ثم هم لا يفقهون.
قال ابن عبّاس : (لمّا نزلت هذه الآية ؛ شقّ ذلك على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : [يا جبريل ، ما بقاء أمّتي على هذه الخصال الأربع؟!] فقال : إنّما أنا عبد مثلك ، فادع ربّك واسأله لأمّتك. فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فتوضّأ وأحسن الوضوء ؛ ثمّ قام فصلّى وأحسن الصّلاة ؛ ثمّ سأل الله أن لا يبعث على أمّته عذابا من فوقهم ولا من تحت أرجلهم ، ولا يلبسهم شيعا ، ولا يذيق بعضهم بأس بعض ، فنزل جبريل عليهالسلام ؛ فقال : يا محمّد ؛ إنّ الله قد سمع مقالتك ، وإنّه قد أجارهم من خصلتين : أن لا يبعث عليهم عذابا من فوقهم ، ولا من تحت أرجلهم ، ولم يخرجهم من الخصلتين الأخرتين) (١).
وقال صلىاللهعليهوسلم : [سألت ربي أن لا يبعث على أمّتي عذابا من فوقهم ، ولا من تحت أرجلهم ؛ فأعطاني ذلك. وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم ؛ فمنعني ذلك ، وأخبرني جبريل أنّ فناء أمّتي بالسّيف](٢).
قوله عزوجل : (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ؛) أي كذب بالقرآن قومك وهو الصدق ، (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (٦٦) ؛ أي بحفيظ أحفظ أعمالكم
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٣ ص ٢٨٤ ؛ قال السيوطي : ((أخرجه ابن مردويه)). وأخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٠٤١٩) عن الحسن.
(٢) في الدر المنثور : ج ٣ ص ٢٨٥ ؛ قال السيوطي : ((أخرجه أحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة والبزار وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه ...)) وذكره وهو حديث طويل.