الْحاسِبِينَ) (٦٢) ؛ إذا حاسب فحسابه يسير سريع ؛ لأنه لا يحاسب بحقد ولا يتكلّم بآلة ، ولا يحجزه الكلام مع بعضهم عن الكلام مع غيرهم ، بل يحاسب الجميع في دفعة واحدة. ومعنى المحاسبة : تعريف كلّ واحد ما يستحقّه من ثواب أو عقاب ؛ حتّى روي في الخبر : أنّه يكون حسابه في مقدار حلب شاة.
قوله عزوجل : (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ؛) أي قل لهم يا محمّد : من ينجّيكم من شدائد البرّ والبحر وأهوالهما. تقول العرب لليوم الذي فيه شدّة : يوم مظلم ؛ حتى أنّهم يقولون : يوم دو كواكب ؛ إذا اشتدّت ظلمته حتى صار كالليل. ويقال : أراد بالظلمات ظلمة الليل ، وظلمة الغيم ، وظلمة الأمواج.
وقوله تعالى : (تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) أي تدعونه علانية وسرّا ، والتّضرّع : إظهار الضّراعة ؛ وهي شدّة الفقر والحاجة إلى الشّيء. وقرأ أبو بكر : (وخفية) بكسر الخاء ، وقرأ الأعمش : (وخيفة) من الخوف كما في آخر الأعراف (١).
قوله تعالى : (لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٦٣) ؛ في موضع الحال ؛ معناه : قائلين : لئن أنجيتنا من هذه الشدائد لنكوننّ من المؤمنين الموحّدين المطيعين. وقوله تعالى : (قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ؛) قل الله ينجّيكم من شدائد البرّ والبحر ومن كلّ غمّ ، (ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) (٦٤) ؛ به الأصنام في الرّخاء بعد النجاة ، وبعد قيام الحجّة عليكم.
وقوله عزوجل : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) ؛ راجع إلى مشركي مكّة ؛ أي قل لهم يا محمّد : (هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) كما بعث على قوم نوح ولوط من الطوفان والحجارة ، (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) ؛ أي هو القادر على أن يخسف بكم ، كما فعل بقارون وقومه. ويقال : أراد بقوله : (عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) الظلمة ، (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) أو يغلّب عليكم سفهاءكم.
__________________
(١) قوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) : الأعراف / ٢٠٥.