والدّين ، فمن ثمّ قال : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)(١). وهذا القول أولى بالصواب ، وأليق بظاهر الكتاب.
قوله تعالى : (قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ؛) أي قال نوح : إني أمتنع بك أن أسألك ما ليس لي به علم أنه صواب ، (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي) خطيئتي هذه وهي هذا السؤال ، (وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٤٧) بالوزر والعقوبة.
قوله تعالى : (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ؛) أي قال الله لنوح : فاهبط من السّفينة إلى الأرض بأمن وسلامة من الآفات ، (وبركات) أي وخيرات ثابتة عليك وعلى الذين معك من المؤمنين. قوله تعالى : (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤٨) ؛ أي وأمم سنمتّعهم عليهم بعدك في الدّنيا ثم يمسّهم في الآخرة منّا عذاب أليم ، وهم الكافرون وأهل الشّقاوة.
فهبط نوح ومن معه من الجوديّ ، ولم يكن لواحد منهم نسل إلا لنوح وأولاده ، كما قال الله تعالى : (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ)(٢) ، وعن محمّد بن كعب قال : (دخل في السّلام والبركة كلّ مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ، ودخل في الإمتاع والعذاب كلّ كافر وكافرة إلى يوم القيامة) (٣). وفي الآية دلالة على ذلك ؛ لأن لفظ الأمم يدلّ على الجماعات الكثيرة ، ولم يكن مع نوح في السفينة إلا قليل.
قوله تعالى : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ؛) أي تلك القصّة التي ذكرتها لك يا محمّد قصة نوح من الأمور الغائبة عنك ، (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا ،) القرآن وهذا منّة من الله تعالى ، (فَاصْبِرْ ؛) على أذى الكفّار ، كما صبر نوح على أذاهم ، واصبر على القيام بأمر الله وتبليغ الرّسالة ، وما تلقى من أذى قومك كما صبر نوح على أذى قومه ، (إِنَّ الْعاقِبَةَ
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٤٠٧٣).
(٢) الصافات / ٧٧.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٤٠٨٩).