واختلفوا في هذا الابن ، فقالوا : إنه لم يكن ابن نوح لقوله تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) أي من ولدك وهو قول مجاهد والحسن ، والمعنى على قولهما إنه ولد لغير رشده.
قال قتادة : (وسئل الحسن عنه فقال : (والله ما كان ابنه) ، وقرأ (فَخانَتاهُما)(١)! فقلت : إنّ الله تعالى حكى عنه أنّه قال : (إِنَّ ابْنِي) وقال : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) وأنت تقول : لم يكن ابنه! وإنّ أهل الكتابين لا يختلفون في أنّه كان ابنه ، فقال الحسن : (ومن يأخذ دينه من أهل الكتاب؟! إنّهم يكذبون) (٢). وقال ابن جريج : (وناداه وهو يحسب أنّه ابنه ، وكان ولد على فراشه) (٣). وقال بعضهم : إنما كان ابن امرأته ، واستدلّوا بقوله (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) ولم يقل إن ابني منّي ، وهو قول أبي جعفر الباقر.
وقال أكثر المفسّرين : إنه كان ولده من صلبه ، وقوله تعالى : (لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) أي الذي وعدتك أن أنجيهم ، قالوا : وما بغت امرأة نبيّ قط ، وإنّما خيانتهما في الدّين لا في الفراش ، ولأنّ الله تعالى يعصم أنبياءه صلوات الله عليهم أن يقع من نسائهم ما يلحق بهم عيبا في الدّنيا ، وإن كان قد يقع منهنّ ما يكون عيبا في أمر الآخرة ، وفي الحديث : [ما بغت امرأة نبيّ قطّ ، وكانت خيانتها له أنّها كانت تقول للنّاس : إنّه مجنون وكانت تدلّ على الأضياف] وهذا قول ابن عبّاس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحّاك (٤).
وقال أبو معاوية البجلي : (قال رجل لسعيد بن جبير : قوله (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) هل كان ابن نوح؟ فسبّح الله طويلا ، قال : لا إله إلّا الله ، يحدّث الله محمّدا نبيّه ويقول إنّه ابنه وتقول أنت ليس ابنه! كان ابنه ولكن كان مخالفا في النّيّة والعمل
__________________
(١) التحريم / ١٠.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٤٠٦٢).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٤٠٦٤) بأسانيد عديدة.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٤٠٧٠) عن ابن عباس ، والأثر (١٤٠٧١) عن سعيد ابن جبير مختصرا.